وقاحة أميركية… وتخاذل لبناني
ناصر قنديل
– إذا كان استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية يتوقف على تشكيل الهيئة الناظمة، فعلى ماذا يتوقف السماح الأميركي بقبول هبة الفيول الإيرانية؟ هو السؤال الذي يطرحه أي عاقل يسمع الكلام الصادر عن مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، عاموس هوكشتاين الذي لعب دور الوسيط التفاوضي في ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية البحرية جنوباً، وباع اللبنانيين كلاماً فارغاً حول سلاسة السير بالاتفاقات التي انتهت منذ سنة بين لبنان ومصر والأردن وسورية لتأمين استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، عبر سورية، وأعقبته صيانة شبكات النقل وأنابيب الغاز.
– يعلم هوكشتاين أن الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، مثل هبة الفيول الإيراني، تهدف جميعها لوظيفة واحدة، هي منح كهرباء لبنان فسحة مدعومة تساعد على تأمين الكهرباء لمدة ستة شهور بتغذية تمتد من 8-10 ساعات يومياً، بما يتيح رفع التعرفة بالتوازي والسير بخطط تحسين الجباية، لضمان توازن مالي يتيح تأمين التمويل اللازم من العائدات المحققة لشراء الوقود، والانطلاق بخطة عملية لا تحتاج دعماً مالياً. ويعلم هوكشتاين أن الإعفاء من عقوبات قانون قيصر كان إعلاناً أميركياً لمنافسة خطوة حزب الله بجلب المازوت الإيراني، ثم تبعه الحديث عن تمويل البنك الدولي للمرحلة الأولى من تنفيذ عقود الاستجرار، وليس لكل مراحلها، قبل أن يظهر فجأة الكلام الواضح من البنك الدولي حول دراسة الجدوى السياسية، وهي بدعة جديدة في مجال التمويل، لا تظهر الا أن العائق سياسي.
– يعرف هوكشتاين أن التفتيش في الدفاتر اللبنانية لإيجاد ذريعة يختبئ وراءها قرار التعطيل ليس صعباً، والحديث عن تشكيل الهيئة الناظمة ذريعة من هذا النوع، علماً أن الاستجرار المعطل منذ سنة ونصف تماماً، لم يرد ذكر الهيئة الناظمة كذريعة للتعطيل الا قبل شهرين فقط، ولا بدّ من القول بالتأكيد إن أياً من اللبنانيين الذين لا مصلحة لهم الا بتأمين الكهرباء، لا ناقة ولا جمل له في عدم تشكيل الهيئة الناظمة، ولا يؤيد أي تعطيل لها، لكنه لا يستطيع تأجير عقله لهوكشتاين ويقبل بالحديث عن كون غيابها هو السبب، خاصة أن الموافقة على الدفعة الأولى من التمويل كان ممكناً واشتراط الاستمرار في الدفعات اللاحقة بتنفيذ الشروط التقنية المطلوبة، كان كافياً لقبولها بصفتها مطالب منطقية، بخلاف التذرع بها لحجب التمويل.
– ما يؤكد أن المطلوب هو المزيد من الضغط على لبنان واللبنانيين، خصوصاً في قلب الاستحقاق الرئاسي، عبر تعطيل إمكانية تأمين الكهرباء من 8-10 ساعات يومياً بالتوازي مع رفع التعرفة وإطلاق التمويل الذاتي لاحقاً، يظهر بوضوح من الموقف الأميركي فرص تأمين الوقود اللازم لتشغيل الكهرباء الذي مثلته الهبة الإيرانية، والأميركيون قد سمحوا لدول غير لبنان بتعاقدات تجارية مع إيران، وليس بقبول هبات لا تخضع أصلاً للعقوبات، وقيمتها بمليارات الدولارات تتجدد تلقائياً كل سنة، كحال باكستان وتركيا والعراق، وأن حال لبنان أسوأ بكثير من أحوال هذه الدول، والبيان الإيراني الصادر عن السفارة الايرانية في بيروت، يقول إن الأمر يعتبر منتهياً بصورة سلبية من الجانب اللبناني، بفعل تدخلات خارجية، ما يعني أن إيران التي رصدت نصف مليار دولار لمساعدة لبنان تبلغت من الحكومة رسمياً صرف النظر عن المعونة لأن لبنان عاجز عن قبولها.
– الموقف اللبناني الضعيف لا تعبر عنه فقط حالة الاستخفاف الأميركية بلبنان، بل كيفية التعامل اللبناني مع الوقاحة الأميركية، فإذا كانت الحكومة كما يقول رئيسها لن تفعل ما يستجلب أي عقوبات، فهل الشكوى والغضب تستجلبان العقوبات، أن يقول لبنان إن هذه المعاملة لا يمكن أن تصدر عن دولة تدّعي الصداقة مع لبنان وتزعم الحرص عليه، وهل إعلان الاستهجان والاستغراب لأن يبادل لبنان الحسنة بالسيئة، وهو الذي يقف على خاطر أدنى مرتبة في المسؤولين الأميركيين، وقد وصلت حكومته الى إدانة إطلاق المقاومة للطائرات المسيّرة التي فتحت الطريق لاتفاق الترسيم، لأن الحكومة أرادت استرضاء الخاطر الأميركي، فإذا الأميركي لا يبادله إلا بالمزيد من الإذلال ولا يستبطن له إلا المزيد من الأذى، ويعامله مثل معاملة ابن الخالة (القاروط)، الذي يُطلب منه كل عمل صعب ويُمنع من الجلوس الى طاولة الطعام، والقاروط الخانع يستجلب لنفسه المزيد من المذلّة.