أسئلة عن هزيمة التطبيع في المنطقة والمونديال وتجدّده في البرلمان المغربي
} هشام توفيق
نبدأ هذا المقال بأسئلة مهمة أطرحها لأول مرة، ربما تستفز السائل والباحث والإنسان في المغرب خصوصاً والشعوب العربية والإسلامية، وتبغض من يكرهها من دعاة التطبيع والهائمين بالكينونة تحت جبة التلمود والجيتو وقبة المشروع الصهيوني ليسرقوا منه ساعة ساعة تصريحات سياسية سيادية ولو شفهية للاعتراف بالصحراء أو نيل الدعم الصهيوني لاستمرار السياسات القمعية، في حين هو كيان غير معترف به أصلا..
وهنا أتساءل هل فعلاً هناك تطبيع في المغرب وتحقق، وهل هناك تطبيع في المنطقة؟ ولماذا أصر النظام المغربي التطبيع لأول مرة من قبة البرلمان المغربي والخروج بأغلبية لقبول التطبيع؟
هل فعلا هناك تطبيع في المغرب وتحقق، وهل هناك تطبيع في المنطقة؟
الجواب عن السؤال في شريط نشر مؤخراً في حساب سعد بشيرات على تويتر (1)، وخلاصة الشريط يجسّد ذهول الصحافيين «الإسرائيليين» من رفض استجابة الشعوب العربية والإسلامية في المونديال لمقابلات «إسرائيلية» ولو أسئلة أو تصريح، وخلص صحافي إسرائيلي أن (العرب يرفضون الاستجواب والاستجابة إذا علموا أننا من إسرائيل، بل يحتجون ويبغضون إسرائيل علماً أن حكامهم طبّعوا وقبلوا). ورصد الصحافي «الإسرائيلي» أن الأنظمة العربية طبعت وأن الشعوب العربية لم تطبع، أيّ الشارع شيء، ورأي الحكومة شيء آخر، وكأنّ «إسرائيل» كذبت عليهم الأنظمة بتقرير مزيف عن شعوبها…
أجل هذه هي الحقيقة التي رصدتها في حوارات ومقالات، التطبيع هو عبارة عن تحقيق علاقات بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني لكسر الرواية المشوهة عن «إسرائيل»، لكن المونديال ومظاهر مناهضة التطبيع ونصرة فلسطين أظهر أنّ الأنظمة العربية، كانت تكذب على الكيان الصهيوني وكان الحكام المطبّعون يقدمون له أماني معسولة، ليكسبوا دعماً وسنداً صهيونياً ويحققوا مصالح أمنية في بلادهم لحماية عروشهم، وكانت الأنظمة العربية تقدّم تقارير خاطئة عن الشعوب العربية وأنها قابلة للتطبيع، لذلك كانت الصدمة كبيرة من المذيعين «الإسرائيليين»، الذين حضروا بشكل منظم في قطر وربما بنشوة فرحة، ليلتقطوا ثمرة صفقة قرن واتفاق أبراهام وقمم واتفاقات، لكنهم صدموا بالفعل.
نفس الأمر في المغرب وهو ما صرحت به سلفاً في إحدى القنوات العربية بخصوص (اتفاق ابن شابات والعثماني) وخروج نتنياهو ليلا في تصريح (أن الاتفاق الإسرائيلي مع الشعب المغربي اتفاق تاريخي)، فقلت إنّ هذه الفرحة مزيفة، وسوف تمزج قريباً بالصدمة والفشل، لأنّ النظام المغربي قدم تقارير خاطئة للكيان عن الشعب المغربي، بخصوص قبول الشعب التطبيع بعد قبول أرباب الحكم الاتفاق..
لذلك فإنّ الشاة يكفي سلخها، كذلك فما بعد رفض الشعب المغربي للتطبيع فإنّ الشاة التطبيعية سلخت، والهدف لم يتحقق من الاتفاق المغربي ـ «الإسرائيلي»، وما بعد ذاك من تطبيع فما هو إلا تمثيل للكذب وبروباغندا، لأنّ التطبيع في مهده انتهى ونفق.
وإذا سمعت عن تطبيع ولو يتصدّر البرلمان المغربي ويخرج من قبته، فإنه مائل كالخيمة معوج غير ناجح، لأنّ الشاة التطبيعية سلخت من قبل، والمعركة خاسرة منذ بدايتها، والمستهدف ليعترف بالتطبيع (وهو الشعب) غير حاضر في الاتفاق بل رافض، بل وتحوّل إلى مقاوم لتطبيع يعتبره إفساداً واحتلالاً، يغزو ويخرب ويدمّر البلاد، ويستبيح عرض المغربيات في مكتب التطبيع بالرباط…
كيف نفهم هيسترية التطبيع الجديد وفق سياقات؟
في الوقت الذي تخرج فيه القوى المطبعة الصهيونية في المغرب رفقة النظام المغربي لمتابعة شركة (اديداس) قانونياً اتهاماً أنها اخترقت التراث المغربي بدعوى توظيف ما يسمّى الزليج المغربي (فن معماري) في قميص المنتخب الجزائري، وفي الوقت الذي ترغب فيه القوى المطبعة (المستباحة لعرض مغربيات) توظيف حدث (الزليج) لمحاسبة اديداس لأنها قاطعت البضائع «الإسرائيلية» وترفض الاحتلال، فإنّ الأرض المقدسة والمباركة استبشرت بولادة مشروع جديد في الضفة يكمل مشروع غزة المقاوم، وهو مشروع (عرين الأسود) الذي قاد أشدّ المعارك المسلحة، كخيار لمواجهة الكيان الصهيوني والحصار ضدّ القدس والضفة وشعفاط وجنين ونابلس والخليل.
هي نفس المقاومة الفلسطينية التي حققت انفجاراً في عملية القدس يوم أمس، فأفشلت استراتجية حكومة نتنياهو الواعدة بالأمن والسلام رغم خطوات التطبيع والاتفاقات العربية «الإسرائيلية» لاحتواء الوضع في الكيان الصهيوني ودعمه في مشروع صفقة القرن بعد تعثر.
وما رصدناه من سباق مغربي في التطبيع من قبة البرلمان المغربي (يتميّز عن باقي تطبيعات الأنظمة) إلا مرحلة جديدة من التطبيع المتصاعد ليضمّد جراح الكيان الصهيوني بعد ضربات المقاومة، وليقول المطبع المغربي: (نحن معك إلى أقصى حدّ يا إسرائيل، رغم تراجع خطوات التطبيع في المنطقة ورفض الرواية الصهيونية خصوصاً في أرجاء المونديال، ونحن معك لدعمك رغم ضربات المقاومة)… خابوا وخسروا…
التطبيع من الموت إلى الإنعاش
كيف نفهم مراحله؟
إذن هي مراحل تمضي وسياقات في الأحداث تحدث وتلخص خصوصا في المغرب من خلال مرحلتين:
1 ـ مرحلة الأولى: التمهيد والهدم
تمّ تنزيل هذه الخطوة (التمهيد والهدم) مع الاتفاق الأول مع (ابن شابات والعثماني)، لما حضر وزير الأمن الصهيوني رفقة الفريق الأميركي وكوشنر، تمهيداً تنزيلاً لخطوات صفقة القرن، وهدماً لكلّ القوى الحية الرافضة ضدّ التطبيع، وقد تحقق الأمر مع المغرب ليكون بوابة التطبيع إلى شمال المغرب وأفريقيا.
أكيد حقق الاستبداد المغربي والمشروع الصهيوني خطواتهما التطبيعية بشكل رسمي، لكن الهدف الثاني المنشود وهو قبول الشعب بالتطبيع فشل في تنزيله عملياً، بل:
ـ تحوّل الرفض الشعبي إلى خروج شعبي مغربي للتعبير عن الرفض…
ـ بل وتخيّل تحوّل الرفض غير مسبوق إلى مقاومة تقاوم المشروع الصهيوني في المغرب،
ـ بل تحوّل التحرك المغربي إلى برنامج موحد، تقوده جبهة مغربية تضم قوى نقابية وسياسية وإعلامية وفكرية من مختلف الأطياف المغربية…
2 – المرحلة الثانية:
مرحلة انكسار التطبيع
في غضون هذه التحوّلات عاش المطبع المغربي وأبواقه خسارة وانكساراً لجهوده التطبيعية السياسية والترويجية الادّعائية بعد فضيحة استباحة عرض المغربيات في مكتب التطبيع بالرباط. وكان المطلوب من النظام المغربي البحث عن المتهمين بالفضيحة الجنسية بدل البحث في نوعية التراث المغربي والزليج البلدي (وهو سيراميك الفني) ليحاجوا شركة أديداس الرافضة للميز العنصري، وبدل اعتقال دعاة وعلماء دون ذنب بدعوى فضيحة جنسية ملفقة…
3 ـ المرحلة الثالثة:
مرحلة الإنعاش الاستراتيجي
وهي حالة «الإنعاش الاستراتيجي» كما سميتها في مقالي السابق، فكل مرحلة تطبيع غالباً تأتي بسبب ألم آلم المشروع الصهيوني في المنطقة أو حدث انتصار للمقاومة وهزيمة الكيان الصهيوني، أي تأتي خطوة التطبيع بشكل هستيري في بعض الأحيان، كطلب من الكيان الصهيوني للنظام المطبع، لإبراز حجم الكيان الصهيوني الوهمي وأنه في انتصار وتمدّد، خصوصاً بعد تقزيم حجمه من المقاومة في الضفة وغزة، أو يأتي التطبيع بتسابق من النظام العربي وعجلة ورغبة منه لينقذ ماء وجه الكيان الصهيوني في حالات الضعف والهزيمة في الأرض الفلسطينية، وقد لعب المطبع المغربي الدور الكبير لتنزيل هذه الخطوة من التطبيع لإنعاش الكيان الصهيوني في حالات ضعف…
المثال الأول: نتذكر هنا معركة «سيف القدس» ووسط المعركة وشدة الهزائم للآلة العسكرية الإسرائيلية، فقد تدخل النظام المغربي بتصريح غريب وعاجل لوزير الخارجية (مستعدون للتطبيع إلى أقصى حد)، وكأنها هدية مسبقة للنظام المغربي إلى الكيان الصهيوني للمواساة بالدعم والسند في معركته ضد المقاومة.
المثال الثاني: ونتذكر كذلك بعد معارك الشيخ جراح ومعارك في القدس وجنين، تأتي (قمة النقب) بحضور المغرب ومصر ودول عربية أخرى، من أجل بث الروح في الكيان الصهيوني بعد تهديدات المقاومة الفلسطينية ونتائج «سيف القدس» في الضفة وغزة والشارع العربي، فتمّ إنجاز قمة النقب لترميم ما هدمته المقاومة من جهود التطبيع وتجديد صورة الكيان الصهيوني، وتزيين وجهه بعد الخدوش والجروح التي خلفتها المقاومة بعد معارك…
المثال الثالث: ونفس الإنعاش الاستراتجي تم تجديده بعد معارك جنين ونابلس والخليل والضفة والمعركة الأخيرة في غزة (معركة وحدة الساحات)، فتم عقد المؤتمر العسكري بحضور أنظمة عربية في الكيان الصهيوني من أجل العون العربي الأمني والعسكري والاستخباراتي وإنشاء الحلم الصهيوني (ناتو عربي ـ «إسرائيلي» عسكري أمني) لتحقيق أمن الكيان، وخوفاً من مشروع البؤر المقاومة في الضفة والتي صنعت «عرين الأسود». وقد لعب النظام المغربي الدور الكبير في هذه القمة من خلال إنجاز اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية… كله إنعاش وفق استراتجية محددة…
ما هو التشوّه التطبيعي:
اتفاق من قبة البرلمان؟
إذن هي مراحل تمضي وسياقات في الأحداث تحدث وتلخص خصوصاً في المغرب أسباب التطبيع وعقد الاتفاقات بشكل:
ـ استعجالي أو منظم أو من جهة طرف واحد،
ـ أو من جهة الكيان الصهيوني طلباً.
ـ أو من جهة النظام المغربي اجتهاداً وتسابقاً،
ـ أو من جهة كليهما تخطيطاً مبكراً..
وأمام ضربات المقاومة الفلسطينية مؤخراً خصوصاً في الضفة وجنين وعمليات عرين الأسود سابقاً، وأمام ما يعيشه المغرب من فشل تطبيعي (خصوصاً بعد الفضيحة الجنسية لمكتب التطبيع) صار يصطلح عليه «أزمة تطبيع»، كان لا بدّ من إيقاف هذا التشوّه التطبيعي والركود والتراجع الكبير في خطوات التطبيع في المغرب من خلال اختراق خيالي أو صادم ومفاجئ، فكان الاتفاق من أعلى قمة مغربية من قبة البرلمان المغربي والاتفاق على اتفاقية جوية..
لم يخرج الاتفاق هذه المرة من جامعة أو معهد أو مكتب تطبيع أو حزب مغربي أو لقاء دبلوماسي أو ندوة ثقافية، بل خرج الاتفاق والتطبيع من البرلمان (الممثل للشعب زيفاً) قانونياً، في تحدّ سافر للشعب المغربي وإيصال رسالة له، أنّ المشروع الصهيوني ماض في المغرب، رغم الفضيحة الجنسية واهتراء شعبية التطبيع أو شبه انعدام لقبول الكيان الصهيوني في المغرب.
هل تطوّرت استراتيجيات
المواجهة والمقاومة للتطبيع؟
في الأخير تبشرنا الأحداث في المونديال وغيرها أنّ الآلة الصهيونية والعربية المطبّعة كانت تروّج لنا الأباطيل عن التطبيع وقبول الشعوب العربية والإسلامية بالكيان الصهيوني وأنّ الأمر انتهى، لكن المونديال كشف أنّ الكلمة للشعوب والكيان منبوذ. أما في المغرب فإذا كان التطبيع وصل إلى هيستريات تطبيعية غير مسبوقة، فمن أسباب ذلك تحوّلات غير مسبوقة في كسره ومواجهته من المغاربة والشارع، ويمكن أن ألخص ذلك في مراحل:
التحوّلات تغيّرت في المغرب
1 ـ تحوّل في التصورات المغربية: وهو وعي شعبي من أنه تطبيع للاعتراف بالكيان، إلى تصوّر ووعي أنه احتلال، وأبطل المغاربة أنه تعايش إلى وعي أنه تطبيع مخرب خصوصاً بعد الفضيحة الجنسية لمكتب التطبيع في الرباط، ومحاولة تهويد تلاميذ بعض مدارس مدينة مكناس دون إذن آبائهم، ونقلهم إلى معبد يهودي، وإجبارهم لبس القبعة اليهودية…
2- تحوّلت المواجهة: من المناهضة إلى المقاومة والطرد، وطرد ممثل الكيان الصهيوني بالمغرب من شقق استئجار في مدينة الرباط هو مثال جلي.
3- تحولت الاستراتجية في المواجهة: من عمل جماعي للجبهة الداعمة لفلسطين والرافضة للتطبيع إلى عمل تخصصي ضد التطبيع له تخصصات مواجهة، تربوية، علمية، سياسية، إعلامية وفكرية تجمع أطياف الشعب المغربي نحو تطويع التطبيع الكامل..