«وهج في ارتفاع شاعر» حفل تكريمي للراحل الدكتور محمد علي شمس الدين
نظّم منتدى «لقاء» حفلاً تكريميًا للشاعر الراحل الدكتور محمد علي شمس الدين تحت عنوان «وهج في ارتفاع شاعر»، في «مركز تمّوز للدراسات والتكوين على المواطنية» بالقرب من أعمدة هياكل جبيل، بحضور معالي النائب الدكتور سليم الصايغ، وسعادة النائب الأستاذ رائد برّو، وسماحة الشيخ محمّد حيدر أحمد، وسعادة مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور حسّان العكره، ومدير عام مصلحة المياه والكهرباء في جبل لبنان الأستاذ جان جبران، وأمين عام اتحاد الكتّاب اللبنانيّين الدكتور الياس زغيب، ورئيس بلديّة بجّة الأستاذ رستم صعيبي، وممثّل سعادة النائب سيمون أبي رميا الأستاذ هاني عماد، وممثّل سعادة نائب جبيل زياد حوّاط الأستاذ بول حوّاط، ورئيس الهيئة الإدارية في المجلس الثقافي في بلاد جبيل وأعضاؤها، وأصدقاء الشاعر الراحل وعائلته، وفعاليات اجتماعية وثقافيّة قدّمت للاحتفال الشاعرة جوليات أنطونيوس.
والقى الدكتور سليم الصايغ كلمة جاء فيها: «سأحاول التحدث عن الدكتور محمد علي من خلال قراءاتي لبعض من إرثه الشعري. هو شاعر الحبر والورق الذي لا يهمل التفاصيل، هو الراحل الحاضر دوماً، يستشرف المستقبل ويجعل من الماضي أنيقاً، حاول الإمساك بالخط الأساسي للتاريخ العربي وعمل عليه، يحلّق في الشعر كما يتنفس في النثر، هو شاعر الأقنعة والنرجسيّ الذي لا يدع الآخر يغلبه في القصيدة والمقصد، حيث كان يخلق صورة جديدة بعيدة عن الكلاسيكية والتي تخلق صراعاً بين الأصل والقناع حيث يتغلب الأصل وهو «أنا الشاعر» كما كان يحب ان يقول».
وختم «ترجّل شاعر الأقنعة بهدوء وغادر المكان بشجاعة… وعمن يرثه في الشعر من الشعراء الحاليين فكان يعتبر أن الورثة موجودون كظلال، كاستعمال للعبارة، كانتباه للتاريخ وللأقنعة».
وألقى الدكتور عماد يونس فغالي مؤسّس «لقاء» ورئيسه كلمته وجاء فيها «تساءلتُ وضميري على غير ارتياح، في غمرة محبّة الناس الكبرى لمكرَّمنا، من «لقاء» ليستحقّ يكرّمه، وماذا سيقول فيه إضافةَ ما قيلَ وما دُرس ونوقش؟ أمَا كان أجدرَ، لو اكتفينا بانحناءةٍ قادرة أمامَ ارتحاله المهيب، ونحن واقفون على قيمةِ الرجل وهيبته؟ في الواقع، رجفتْ عيني لا تجرؤ على بوحٍ بدمعةِ فقدٍ لحبيبنا الذي عاش بيننا في صفوف الملائكة المنشدين المجدَ طغماتٍ علويّة، فكرًا وحرفًا وجمالاً! أردتُ الاحتفاءَ به في أمسيةٍ يحييها، وننعم به صعودًا نحو نشوة الألق، استمهلني والأزمة تشتدّ، نحن في بُعادِنا وهو إلى ابتعاد!».
وختم: «د. محمّد علي، لو صار لنا ما تمنّيناه، لكنتَ الآن تؤمّ محضرَنا، تتلو أشعارَكَ شعائرَ قدسيّة في محرابِ المعجبين… لكنّكَ آثرتَ أن تكون صلاتَنا، نؤدّيكَ عبادةً إبداعيّة، إلى حيثُ أنتَ في مصاف النبيّين، ترفرفُ روحًكَ الشاعريّة والمعرفيّة علينا، بأجنحةِ الرضى والحبور، بركاتٍ نورانيّة من وهجكَ العلويّ مدى الأبد!!!».
اما الدكتور مصطفى جوني فوصف الراحل الكبير بأنّه «متكلّم بارع، وعلاقَتُهُ بالحرف كعلاقة الدنِّ بالخمر، فتأتي كلماتُهُ منتقاةً، وكأنها مغمسة بقليل من النبيذ الأحمر المقدس، تُفرِح قلوب سامعيه، وأنا واحدٌ منهم؛ حيث كنتُ أجد نفسي مُلقىً على الكرسي أمامه، لا حول لي ولا قوةَ إلّا الإصغاءُ إليه بفرح المصغين».
والقت الشاعرة الدكتورة يسرى البيطار قصيدة، قالت فيها:
قَرعتُ الجدارَ النوافذَ بابًا من الغيم فافتحْ قليلَا
أنا نسَمٌ قِيلَ كان اشتعالًا، وكان احتضارًا، وكان عليلَا
وكنّا، محمدُ، قبل النخيلِ
نهيِّئُ للرُّطَبِ الماءَ عذبًا
وكنّا نخيلَا
……
هو الشاعرُ الحرّ يَعجُنُهُ الألمُ المستطيلُ لِيبقى جميلَا
فمَن يَبعثُ الشمسَ من مضجع الموج صبحًا؟
ومَن يَرفد الأرضَ سِحرًا، أصيلَا؟
لكَ الشعرُ لوِّنْ بهِ كوكبَ الصابرينَ، وعَينًا تصلّي، وخصرًا نحيلَا!
قَرعتُ على الحزنِ والمطلعِ العربيِّ على الليل فافتحْ قليلَا
لأجل الحداثةِ أشعِلْ وُرودَكَ
ما زلتَ أنتَ الدليلا
وذلكَ طفلُكَ في الشيخ يأبى على شاهقٍ أن يَميلا
لأجل المساكينِ في الحبّ والمتعَبينَ الحيارى ألَا افتحْ على الشمس بابًا
سُهولَا …
وألقت الدكتورة ليلى شمس الدين كلمة العائلة، واستهلتها بنقل بالغَ تحياتِ مفتي بلادِ جبيل وكسروان سماحةِ العلاّمة الشيخ عبد الأمير شمس الدين ومحبته، هو الذي كان يهمُهُ مشاركة الحضور هذه المناسبة التي تعني لهُ الكثيرَ لكونَها تخصُّ تكريمَ الحبيبِ الراحلِ الشاعرِ الكبير د. محمد علي شمس الدين من جهة، ولوجود الحاضرين من جهة. وبلّغت الحضور محبّة سماحتِه واعتذاره عن عدمِ تمكّنه من تلبيةِ هذه الدعوة وذلكَ لظروف استثنائيةٍ مرتبطةٍ بهذه الليلة.
وأضافت «وأنا أقفُ هنا، أجدُني أعودُ بالذكرى إلى طفولتي، إلى أيامٍ مضت وأنا أفتخرُ وأعتزُّ بمعرفتي كما بقرابَتي لشخصيةٍ أجدُها استثنائية. استثنائية في الحضور واستثنائيةً في الطموحِ والمسار». وأكملت شمس الدين «اسمحوا لي أحبتي أن أتلو بعضًا ممّا خبرته من فعل محبته أمامكم. فمن يعرفُ شاعرَنا منذُ نشأتِهِ يوقنُ جيّدًا أنّه لم يشترِ كما لم يسعَ وراءَ منصب، ولم يساوم أو يبيعَ موقفًا. عَرَفناه واضحًا ومباشرًا، لبقًا يرشَحُ جمالاً ورقيَّ حضور. عصاميَاَ فرضَ نفسَهُ بامتلائِه ومكانتِه، كبيراً أبى إلاّ أن يتفوّق على دربِ الكِبار، حقيقةً واقعيةً أدركنا فصولَها ومراحلَها».
وتابعت «لم يكن شاعرُنا الكبيرُ انطوائيًا ولا انتقائيًا، كانَ ولا يزالُ أكبرَ من أن يتموضَعَ ضمنَ عائلة، لا لِكِبْرٍ وإنّما لدَورٍ سكنَهُ فاتسعت حدودُهُ لتتجاوزَ حدودَ الوطن وهوَ الذي سكنَ الوطنَ وأسكنَهُ في فِكرهِ وقلبِه وشعرِه. كان صاحب رسالة، أدركَ مسؤوليةَ الشاعر في حملِ رسالةِ المحبةِ والإعلام من خلال تصوير وقائع حياتية إنسانية ووطنية جامعة. كثيرةٌ هي الألقابُ التي حُمِّلَت له، وهي فعلُ محبةٍ ممّن قرأوه، فعرَفوه ملكاً في الشعرِ وعلى المِنابرِ. يُحرّكُ خطواتِهِ بدقّة، وينحِتُ حروفَهُ بإحساسٍ فتخرجُ مسبوكةً من بينِ شفتيه».
وختمت «برحيلكَ لن ينطفئَ قمرُ الشعر، رحلت وفي جَعبَتكَ الكثيرُ الكثيرُ لتسوغَه وإرثُكَ يا شاعرَنا وهجٌ مرتفع، فالكبارُ يَسمونَ ويرتفعون، ووهْجُكَ لن يخبوَ ما دامت حروفُ الشعرِ تُنظَم».
اختتم الاحتفال بتسليم درع محبة ووفاء من رئيس لقاء باسم لقاء، لعائلة الشاعر الراحل، بشخص عقيلته السيدة خديجة وكريمته الشاعرة رباب، التي بدورها شكرت الحضور ولقاء على تنظيم هذه المناسبة.