خصوصية حزب الله غيرت قواعد التسوية الخارجية للرئاسة
ناصر قنديل
ــ يتحدث الكثير من المتابعين والمحللين عن فرضية نشوء فرصة لتسوية الملف الرئاسي اللبناني على هامش قمة عمّان الإقليمية لدول جوار العراق التي تعقد الثلاثاء المقبل في 20-12-2022، والتي يتوقع أن تشهد مشاركة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إضافة لقادة العراق وتركيا والكويت والأردن، وتتحدّث التحليلات عن فرصة يمثلها الحضور الفرنسي في القمة من موقع مشاركته في اللقاءات السابقة الخاصة بالعراق، واهتمامه الخاص بلبنان وباللقاء السعودي الإيراني حوله، فهل تقع هذه التحليلات في مكانها الواقعي؟
ــ خلال فترة ما قبل عودة القوات السورية الى بلادها في نيسان 2005، إثر تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وطيّ صفحة الدور السوريّ في المسارات السياسية اللبنانية، ومنها الملف الرئاسي والملفات الحكوميّة، كان حزب الله ينأى بنفسه عن الدخول على خط الملفات السياسية الداخلية، مستنداً الى وجود ثنائية سورية إيرانية ترسم الإطار الذي تبحث من خلاله القضايا المتصلة بالمقاومة وحركة سلاحها، خصوصاً في فترة ما قبل تحرير الجنوب عام 2000، ومنها معالجة ذيول الأحداث التي كانت تقع بين المقاومة ومؤسسات الدولة الأمنية، كمثل حادث جسر طريق مطار بيروت عام 1993 مع تنظيم تظاهرة حزب الله الاحتجاجيّة على اتفاق أوسلو بين كيان الاحتلال وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقرار الحكومة بتكليف الجيش اللبناني بمنعها ما أدّى الى سقوط شهداء وجرحى من المتظاهرين.
ــ بعد نهاية مرحلة الدور السوري في الملف السياسي اللبناني الداخلي، وفي مناخ الاحتقان الذي ولد على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نجح تفاهم إيراني سعودي فرنسي بتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة التي أشرفت على المرحلة الانتقالية ومن ضمنها إجراء الانتخابات النيابية (19 نيسان – 19 تموز 2005)، وبدا للكثيرين أن هذه الصيغة سوف تكون البديل عن مرحلة الدور السوري، أو الثنائية السورية السعودية أو الثلاثية الأميركية السعودية السورية، سواء بثنائية فرنسية إيرانية تتمثل فيها السعودية عبر فرنسا، أو ثنائية إيرانية سعودية تتمثل فيها فرنسا عبر السعودية، أو ثلاثية فرنسية سعودية إيرانية، كبديل للثلاثيّة السعودية السورية الأميركية، وفي كل الأحوال يمثل الثنائي السعودي الفرنسي في الصيغة الجديدة الموقف والمصالح والحسابات الأميركية.
ــ عملياً ثبت أن هذه المرّة كانت يتيمة لم تتكرّر ولم تعد قابلة للتكرار، فقد كشفت حرب تموز 2006 أن التفاهم الذي أنتج تسمية الرئيس ميقاتي وتشكيل حكومته عام 2005، هو مجرد ربط نزاع مؤقت لأن ثمة تحضيراً لحرب إسرائيلية لم تتأخر، بني على الفوز بها رهان تغيير جذري في موازين القوى لما هو أبعد من لبنان، وهو ما لم تخفه تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية يومها، غونداليزا رايس، عندما قالت من بيروت إن هذه الحرب هي مخاض ولادة شرق أوسط جديد، وكان المقصود تعديل موازين القوى مع سورية وإيران من بوابة كسر حزب الله، وشطبه إذا أمكن من معادلة لبنان والمنطقة، ليظهر مع نهاية الحرب بفشل إسرائيلي كبير أن معادلات لبنان والمنطقة قد تغيّرت كثيراً، ولكن بطريقة معاكسة. فقد خرج حزب الله منها أقوى وبدأ مرحلة تعاظم مكانته الإقليمية والداخلية. ومن ضمن هذا التعاظم وأوله تعاظم مكانة حزب الله لدى حليفيه الإقليميين الكبيرين، سورية وإيران، وجاءت تسوية الدوحة التي أعقبت أحداث 7 أيار 2008 في بيروت، لتتولى تظهير محدودية البعد الإقليمي والدولي في إنتاج التسويات، عندما يكون حزب الله طرفاً فيها، حيث استضافت الدوحة المؤتمر اللبناني دون أن يكون هناك ثنائية او ثلاثية اقليمية دولية ترعى، وظهرت الدوحة كمضيف أكثر مما بدت راعياً للتسوية، فنالت الشكر وعبارة أول الغيث قطر.
ــ جاءت تجربة استقالة أكثر من ثلث الوزراء في حكومة الرئيس سعد الحريري خلال وجوده في واشنطن في 12-1-2011، ما أدى إلى سقوطها، لتضع قواعد جديدة لعلاقة الدولي والإقليمي باللبناني. فقد سقطت فرصة هذا البعد الإقليمي الدولي بعدما تلاعبت السعودية بالتفاهم المنجز مع سورية حول ملف المحكمة الدولية والقائم على تأجيل صدور القرار الظني لحين إنجاز تفاهم لبناني حول كيفية التعامل معه، ودفعت بالحريري لتبني تعجيل إصدار القرار خلال زيارته لواشنطن، اعتقاداً منها بأن موازين القوى بينها وبين سورية حول لبنان تغيّرت مع خروج القوات السورية من لبنان، ما يعني تغير موازين القوى لصالح السعودية في الملف اللبناني. وجاءت الاستقالة لتضع العامل اللبناني الذي يمثله حزب الله في مواجهة العامل الإقليمي الذي تمثله السعودية. وعندما وقعت الواقعة وسقطت حكومة الحريري، تحركت المعادلة الإقليمية والدولية من بوابة الاستعانة بتركيا وقطر، وعقدت قمة سورية قطرية تركية ضمّت الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في 18-1-2011، لكن سورية رفضت تقديم أي التزام بالنيابة عن حزب الله، وكان سقف ما تعهّد به الرئيس السوري بشار الأسد هو تأمين فرصة لقاء وزيري الخارجية والقطري والتركي حمد بن جاسم وأحمد داود أوغلو، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي 19-1-2011 زار الوزيران بيروت والتقيا السيد نصرالله وخرجا يعلنان فشل مساعي تعويم حكومة الحريري أو إعادة تسميته رئيساً للحكومة المقبلة، بعدما تبلغا من السيد نصرالله ان ما جرى كسر الثقة بإمكانية التعاون مع الحريري في ظل تقديمه للطلبات السعودية على التوافقات المبرمة داخلياً، وهذه المرة تمّت تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة، لكن بمعادلة داخلية لبنانية.
ــ جاءت الحرب على سورية بعد ذلك لتقول أيضاً إن مشروع التسوية الإقليمية الدولية كان مجرد فخّ نجح حزب الله في تفاديه، فهو ربط نزاع آخر، لأن هناك حرب تموز أخرى، لكن على المساحة الإقليمية، كانت وراء الباب والرهان عليها أن تقلب كل المعادلات وتغير كل التوازنات، وكسابقتها جاءت الحرب تقلب الموازين بصورة معاكسة، فتفشل الحرب بتحقيق أهدافها في سورية، وخصوصاً في الشق الخاص من أهدافها بمكانة وحجم ودور حزب الله، الذي جاء انتصار سورية بمثابة انتصار معزّز له، ورفعاً لمكانته في عيون خصومه وبين حلفائه، وتعاظماً استثنائياً في مصادر قوته، بحيث يمكن القول إن قمة الأسد وأردوغان وحمد كانت آخر الأطر الإقليمية والدولية لمداخلات في الملف اللبناني، حيث حسمت سورية ومعها إيران التفاهم على جواب موحّد لكل مداخلة تأتيهما من الخارج في الشأن اللبناني بالقول، اذهبوا وتحدّثوا مع السيد نصرالله، وسقف ما يمكننا أن نساعد به هو ترتيب اللقاء مع نصرالله.
ــ شيئاً فشيئاً تحول هذا الموقف من سورية وإيران إلى منهج معتمد في كل الملفات التي تخص الحلفاء في محور المقاومة، ولم يعد وارداً الرجوع عنه حكماً في ما يخص لبنان، فما يسمعه السعوديون من إيران حول اليمن، وما يسمعه الأوروبيون حول فصائل المقاومة في فلسطين، بات نسخة عما سمعوه من قبل حول لبنان، اذهبوا وتحدثوا الى أهل البلد فلهم قرارهم ورؤيتهم وعندهم استقلاليتهم، ولسنا بديلاً عنهم، وسقف ما يمكننا أن نساعد به هو ترتيب اللقاء معهم. ومن يتوقع ان تكون المعادلة التي تحكم علاقة السعودية وفرنسا وأميركا مع حلفائهم في لبنان قابلة للتطبيق على علاقة إيران بحزب الله سيكتشف أن معادلة علاقة إيران وحزب الله مختلفة، وتختصرها معادلة السيد حسن نصرالله التي قالها ذات يوم، »نحن سادة عند ولي الفقيه»، وأن التحسن في العلاقات السعودية الإيرانية يؤثر حكماً على المناخ اللبناني والرئاسة وملفاتها، لكن ليس بالطريقة السابقة، بل من خلال تحرير حلفاء السعودية من تحريم التفاهم مع حزب الله، وتحريرهم من جعل محرك السياسة الرئيسي للمواقف التي تطلبها منهم السعودية تقاس بحجم العداء لحزب الله. وهذا هو جوهر المطلوب كي تتحرك عجلات التوافق الداخلي الذي يدعو إليه حزب الله ويعطله خصومه بمكابح خارجيّة لا علاقة لها بمصالح لبنانيّة.