مواقف بكركي الرئاسية
– تاريخياً حظيت بكركي بمكانة خاصة، ولو معنوية، في مقاربة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وغالباً ما كانت شريكاً اعتبارياً وأحياناً سياسياً في إنتاج الرئيس الجديد. والرئاسة في أغلب الأحيان تسوية داخلية وخارجية. وينظر تاريخياً الى بكركي كموقع أكثر مرونة من القيادات الحزبية وأوسع حيلة، وأرفع مكانة في الداخل والخارج، ما يمنحها القدرة على لعب دور في صناعة التسويات لا يملكها سواها، سواء بين القيادات المسيحية أو بينها وبين القيادات اللبنانية الأخرى، ومع الخارج، على السواء.
– ينطلق خطاب بكركي في مقاربة ملف الرئاسة من اعتبارها الموقع الدستوري الذي يمنح مسيحيي لبنان والشرق الاطمئنان الى بقائهم وسط غالبية مسلمة، وأن التعامل مع هذا الموقع محكوم بمعادلتي عدم استهانة الفراغ والشغور في هذا المنصب من جهة، وعدم الاشتباك العلني مع الرئيس مهما اتسع الخلاف معه، وعدم تسهيل خلعه قبل نهاية ولايته الدستورية على هذا الأساس، من جهة موازية، وخلفية المعادلتين، ما تسمّيه بكركي بالقلق الوجودي النابع من تناقص عدد المسيحيين مقارنة بالمسلمين ونسبة كل منهما إلى عدد السكان في بلد اعتمد فيه العدد بين الطوائف أساساً لتغليب الكفة المسيحية لنصف قرن، ثم تم تثبيت المناصفة وتعديل الصلاحيات، مع الخشية من تعديلات أخرى تفرضها التغييرات العددية المتلاحقة في غير صالح المسيحيين، كلما بدا أن خلع الرئيس قسراً أو شغور موقعه يتحول إلى سابقة متكررة تفتح الباب للحديث عن الحاجة لتعديل في النظام.
– هذه المرة تبدو بكركي لاعباً في ملعب مختلف، فهي لا تبذل جهداً لجمع القيادات المسيحية، سواء من أسمتهم بالقادة الأربعة الكبار في الاستحقاق السابق، أو النواب الموارنة ومن ثم المسيحيين الذي جمعتهم تحت سقفها في استحقاقات سابقة. وهذه الاستقالة تنسجم مع رفض القوات اللبنانية الحوار مع كل من التيار الوطني الحر وتيار المردة، وبالتوازي ترفع بكركي سقف خطابها الرئاسي في مواجهة طرفي ثنائي حزب الله وحركة أمل، فأطاحت بالحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، تحت شعار الوقت للانتخاب وليس للحوار أول مرة، وشعار الحوار برعاية دولية لا لبنانية في ثاني مرة، وهي تواظب على مواقف تصعيدية بوجه حزب الله، وهذا يعني عدم اكتراث برفع الجدران التي تعقّد مهمة الحوار، بدلاً من بناء الجسور التي تمهّد له.
– الخارج الغربي والعربي الذي تعتبره بكركي حليفاً وشريكاً لا يبدو جاهزاً لتقديم مداخلات لتسوية رئاسية، ولا يبدو قادراً على فرض معادلات تغير موازين القوى كما حدث عام 1982، ليكون رهان بكركي مبنياً على هذه أو تلك، وصراخ بكركي طلباً للتدويل مستمرّ في واد بلا مجيب، ولم ينجح بتعليق واحد من مسؤول في أي دولة عربية أو غربية، فما هي حسابات بكركي؟
– الاحتمالات الواردة دون مستوى الدور التقليدي لبكركي، فالاحتمال الأول أن تكون بكركي قد تخلت عن مسؤوليتها التاريخية تجاه الموقع والدور، لأسباب فئوية ضيقة. والاحتمال الثاني أن تكون بكركي تلعب لعبة سواها، أي مواصلة التصعيد حتى تأتي لحظة إشارة دولية مناسبة للتسوية، وهذا لا يليق بموقع بكركي. والاحتمال الثالث أن تكون بكركي قد توصلت الى تبني خيار جديد يقوم على المخاطرة بصيغة النظام السياسي والاستعداد لإعادة النظر بالعقد الاجتماعي القائم على قاعدة مساندة الفدرالية، على الطريقة البلجيكية، أي الفيدرالية الطائفية غير الجغرافية، دون أن تنتبه الى أن مخاطر هذا الحل أكبر من عائداته، وان السير به يستدعي موازين قوى تفرضه على الشركاء في الوطن، وهي أصعب من موازين إنتاج رئيس؟
التعليق السياسي