دبوس
فرانكنشتاين
يظنّ كثير من الناس انّ إسم الوحش الذي خلقت شخصيته الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي عام 1818 هو فرانكنشتاين، ولكن الحقيقة هي انّ إسم العالم الذي قام بخلق هذا الوحش، هو فيكتور فرانكنشتاين، والذي قام بتجميع أعضاء من هنا ومن هناك، ومن ثم تركيبها بكيفية غير تقليدية حيث نجح في النهاية بتخليق هذا المخلوق الذي أخذ يتصرف بمحض إرادته وبقوّته الذاتية، ولكن العالم فيكتور فرانكنشتاين اكتشف في نهاية المطاف أنه خلق وحشاً لا يستحوذ في ذاته على تكوين إنساني ذي بعد عاطفي أخلاقي يفيض شيئاً من مشاعر الحب والرقة والتفاعل البشري، ولكن كتلة مصمتة، وماكينة للقتل بلا رادع إنساني…
لقد قام بدور العالم في السينما الممثل الإنجليزي الراحل بيتر كوشينغ، أما الشيء الذي لفت نظري فهو الشبه الكبير في قصة تخليق هذا الوحش الذي يفتقر الى أيّ بعد إنساني وبين الطريقة التي أنشئ فيه كيان الاحلال القاتل، قطع وأجزاء أوتي بها من هنا ومن هناك، تمّ تجميعها في جسد واحد، وصيغت بنيته وفق إرادة على ان تكون فائقة القوة، وأداة قتل وحشي بلا رحمة، وتمّ تغييب أيّ بعد إنساني بأدنى حدّ من العواطف المتعارف عليها في التكوين الإنساني، ماكينة للقتل ولارتكاب المجازر، ولا تعني الحياة الإنسانية أيّ شيء في عقل هذا المخلوق الذي أوتي بأجزائه من أنحاء المعمورة، وتمّ تركيبه صناعياً، ليطلق عليه بعد ذلك إسم مجتمع أو دولة أو شعب.
العالم فيكتور فرانكنشتاين في هذه الحالة هو قوى الهيمنة آنذاك، بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، والوحش هو هذا الكيان القابع على أرضنا في فلسطين، التراجيديا في قصة ماري شيلي تبدأ حينما يدرك العالم بأنّ الوحش قد خرج عن نطاق السيطرة، وانّ الكلّ أصبح مهدّداً بما في ذلك خالقه، فطفق يبحث عن طريقة لإفنائه، هل ستجد القوى المارقة التي خلقت هذا الوحش في لحظة من اللحظات أنها خلقت وحشاً أصبح عبئاً عليها، فتسعى الى إفنائه، ليس بالضرورة بالمباشر، ولكن بغض الطرف وإعطاء عين عمياء الى المشهد الذي ستنتفض فيه قوىً محليةً لوضع حدّ لحياة هذا المخلوق المناقض لكل القيم الأخلاقية والإنسانية.
سميح التايه