حرب استنزاف بين روسيا والناتو فمن يربح؟
ناصر قنديل
ــ لم يعُد هناك مكان للاجتهاد حول أمرين حاسمين في حرب أوكرانيا، الأول أن حلف الناتو يقاتل روسيا لكن بواسطة الأوكرانيين، لأنه عاجز عن تحمل الفاتورة البشرية للحرب وليس لأي سبب آخر، كما قاتل الغرب سورية بالإرهابيين للسبب نفسه، والثاني أن لا توسّع في شكل خوض الحرب سواء نحو الحضور المباشر لجيوش الناتو أو نحو مواجهة نووية. وهذا يعني بعد عشرة شهور من الحرب أننا أمام حرب استنزاف بين روسيا والناتو، بالأسلحة التقليدية يقوم خلالها الناتو بتزويد أوكرانيا بكل الأموال والأسلحة والذخائر اللازمة، ويضع استخباراته في خدمة حاجات الحرب وأقماره الصناعية مركزة على رقعتها الجغرافية، وغياب الطائرات والدبابات ناجم عن كونها أصلاً حتى بالنسبة لروسيا ذات دور ثانوي في الحرب، أمام الدور الحاسم للطائرات المسيّرة والمدفعية الدقيقة الموجهة والصواريخ الدقيقة والموجهة، وفي الميدان سلاح مشاة البر الروسي ومقابله الأوكراني.
ــ العامل الحاسم في الحرب، كما تقول أوكرانيا، بلسان رئيسها ووزير دفاعه ورئيس أركان جيشه هو القوة النارية، وهم رغم كل ما وصلهم من إمداد غربي يقولون إن التفوق الناري روسي بنسبة واحد الى عشرة، وحيث لا مجال للبحث عن سبب التفوق بين فرضيتي، إحجام الغرب عن تسليح أوكرانيا بما يلزم، أو عدم قدرته على تأمين المزيد، يأتي الجواب الغربي واضحاً، حيث قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتبرغ خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة إن أعضاء الحلف بحاجة لإعادة الاستثمار بقواعدهم الصناعية في قطاع الأسلحة. وقال ستولتنبرغ في تصريحات سابقة لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «نعمل مع الشركات لزيادة إنتاج الأسلحة والذخيرة»، مشيرًا إلى أن الدول بحاجة إلى تشجيع مصنعي الأسلحة على توسيع قدراتهم على المدى الطويل من خلال التقدم بمزيد من طلبات الأسلحة. ومن جانبها، أشارت وكالة «بلومبرج» الأميركية إلى أنه مع استمرار الحرب، يتناقص مخزون بعض الدول الأوروبية التي زوّدت كييف بالأسلحة، وقد يستغرق الأمر سنوات من متعاقدي الدفاع لسد النقص، ووفقاً لشبكة سي ان بي سي فإن المصانع الأميركية تنتج 30 ألف طلقة سنوياً من قذائف مدفعية هاوتزر عيار 155 ملم، بينما يستهلك الأوكرانيون هذه الكمية خلال أسبوعين، كما يقول الخبير الأميركي ديف دي روش، الأستاذ المساعد وزميل أقدم في جامعة الدفاع الوطني الأميركية، الذي يضيف: «أشعر بقلق بالغ. ما لم يكن لدينا إنتاج جديد، والذي سيستغرق تكثيفه شهوراً، ولذلك لن نتمتع بالقدرة لإمداد الأوكرانيين. وفي أوروبا، تنفد المخزونات أيضًا، حيث قال مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في أيلول الماضي، إن المخزونات العسكرية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استنفدت «بسبب تقديم العديد من القدرات للأوكرانيين». ويشير المحللون العسكريون الغربيون إلى أن جذور المشكلة تتمثل في أن الدول الغربية كانت تنتج أسلحة بكميات أقل خلال أوقات السلم، حيث اختارت الحكومات تقليص التصنيع المكلف وإنتاج الأسلحة حسب الحاجة فقط. وبعض تلك الأسلحة الآخذة في النفاد لم يعُد يتمّ تصنيعها، كما يلزم لإنتاج العمالة الماهرة للغاية والخبرة وهي أشياء شحيحة في شتى أنحاء قطاع التصنيع بالولايات المتحدة منذ أعوام.
ــ في الحصيلة فإن دول الناتو التي تضمّ ثلاث دول نووية هي أميركا وبريطانيا وفرنسا، ودول صناعية كبرى مثل ألمانيا وكندا واستراليا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا، خصوصاً في المجال العسكري، تعجز عن مجاراة روسيا منفردة في تزويد الجبهات بالذخائر والمدفعية والصواريخ، وتعتمد على الطائرات المسيّرة التركية، وهذا هو سبب حملتها الدعائية حول عجز روسيا والحديث مرة عن طلب ذخائر من كوريا الشمالية ومرة من الصين وعن الطائرات المسيرة الإيرانية، لكن الذي يعرفه الخبراء العسكريون هو أن نقل الذخائر المفترض من إيران او الصين او كوريا الشمالية الى روسيا بما يلبي حجم الاستهلاك الحربي الذي يعادل خمسة آلاف قذيفة مدفعية يومياً تعادل حمولة باخرة يكفي للقول بأن الحملة الغربية ليست إلا لإخفاء العجز، والتغطية على حقيقة تشبه ما جرى في قطاع الغاز الذي يعترف الغرب اليوم أنه فوجئ بعجزه فيه، وبأنه لن يستطيع الاستغناء عن روسيا كمزود للغاز قبل سنوات، ولن يستطيع تشغيل مفاعلاته النووية قبل سنوات، ولن يحقق الاكتفاء الذاتي بالحبوب قبل سنوات، وهو لن يستطيع منافسة الإنتاج الروسي الحربي التقليدي وليس النووي الرادع فقط إلا خلال سنوات.
ــ نحن هنا نتحدّث عن دول تزيد مساحتها ويزيد عدد سكانها ويزيد حجم اقتصاداتها عن أضعاف مساحة وعدد سكان روسيا، ويكفي التذكير بأن الاقتصاد الاميركي وحده أكبر عشرين مرة من الاقتصاد الروسي، وأن اقتصادات دول الناتو أكثر من خمسين مرة من اقتصاد روسيا، لنكتشف أن جوهر رهان الغرب على الحرب كان مبنياً على العقوبات القاتلة التي نجحت روسيا في إفشالها واحتوائها، ومنذ اللحظة التي نجا فيها الروبل من الضربة القاضية وبدأ يربح بالنقاط، انتهت الحرب وباتت تنتظر شجاعة الإعلان عن الهزيمة وقبول التفاوض على أساسها.