في رثاء أخي «علي»…
} رباب تقي*
هي السنة الثالثة… كيف يطلقون عليها «ذكرى» وهي آنيّة الشعور؟
أنظر: هذه صورتك معلّقة على الحائط المجاور لغرفتك، وهنا لوحة خطّها رسّام حاول ترجمة حلم أختنا عنك، حيث وجهك الأسمر وعيناك المكحّلتان وبسمتك الجانبيّة، يحيطك ملاك حارس حيث أنت وحوله أزهار مزركشة.
أنظر: هنا اسمك مطرّز على قماش أبيض ومزيّن بإطار خشبي، وضعته أمّنا في زاوية المنزل الأساسيّة.
هذه نظّارتك الزرقاء، ومقلمتك… فيها أقلام ملوّنة كنت تستخدمها لتضفي على رسماتك عبقاً يشبهك.
نناديك، أمّنا تناديك دوماً… فهي تراك، تشعر بوجودك في كلّ لحظة، ليس فقط في الأحلام التي تطمئن عليها من خلالها.
نراك، بطعامك المفضّل، بطريقة مشاهدتك لبرامجك المميّزة على التلفاز، بالكرة وطريقة ركلك إياها. أوَتذكر كم طابة أضعت واشتريت؟
في شهر رمضان الفائت، كنت حاضراً مع كلّ صرخة للمسحّر وكلّ ضربة طبل، مع كلّ سحور و»منقوشة جبنة». مع كلّ إفطار يلمّ شملنا، مع صحن الأرز بالدّجاج، وكوب الشاي المشبّع بالسّكّر الذي يشبه ضحكتك، وأكياس «الشيبس» والألعاب الإلكترونيّة، وكذلك في موعد الصلاة والدّعاء والتلاوة.
مع كلّ بسمة يوم العيد ينقشها وجهك الطّيّب، ولحظة الخروج في نزهة تتخلّلها لعبة كرة قدم. أنت موجود في أنفس ووجوه الأحبّة، يتذكّر بعضهم كيف كنت تمرّ عليهم وتلقي التّحية مع بسمة صادقة ورفع يدك اليمنى. تبعث السرور في الأنفس أينما حللت.
ملامحك حاضرة، وكذلك طريقة جلوسك وركضك ومشيك ولعبك ودرسك وكتابتك وتفكيرك وحبّك… كيف تلفت وجه والدتنا إليك بيد آلاف المرّات كلّ يوم لتضمن رضاها وتتأكّد منه: «أمي هل تحبينني؟ هل أنت راضية عني؟»، وعندما تسمع الإجابة «نعم» يقفز قلبك فرحاً وكأنّك حصلت على انتصار عظيم… كلّ لحظة من كلّ يوم.
إنّها السّنة الثّالثة التي تمرّ ونحن نراك، ونعلم أنّك ترانا. إلّا أنّ الفرق أنّنا لا نستطيع أن نتشرّف بلمس يديك وتقبيل رأسك وعينيك.
عزيزٌ أنت في وجودك، عظيمٌ في غيابك. كبيرٌ في حضورك. مشرقٌ في طيفك.
أخي «علي»، لو كان الرّثاء يستطيع أن يلمّ بعثرات القلوب، لما اختار الكلمات. فالفقد أشدّ وجعاً من الموت.
*إعلامية وكاتبة لبنانية