اميركا تنتقم من سورية بوحشية مفرطة! فما الردّ؟
} العميد د. أمين محمد حطيط*
عندما أطلقت اميركا أكذوبة «الربيع العربي» مستندة الى مكونات محلية وإقليمية ودولية عميلة أو جاهلة، ومحشدة العصابات والزمر والجماعات الإرهابية للفتك بأكثر من دولة عربية، عندما أطلقت هذا «الربيع المزيّف الكاذب» الذي جاء في حقيقته حريقاً وتدميراً لتلك الدول، كانت تتوخى استكمال تنفيذ المخطط الاستراتيجي الأساس الذي يقوم على تدمير ٦ دول عربية وتفكيك أو تحييد جيوشها لتؤمن لـ «إسرائيل» البقاء المستقر الآمن وللغرب بقيادة أميركية السيطرة الاستعمارية المطبقة والمحكمة على كامل المنطقة وشعوبها ولنهب خيراتها وثرواتها.
وقد نجحت أميركا في ليبيا وتعثرت في اليمن واستمرت في كيدها التدميريّ في العراق لكنها فشلت في سورية فأجلت ملف الجزائر لفرصة تراها مؤاتية لها بشكل افضل. بيد أن سورية في تصديها للمشروع الاستعماري التدميري وإفشاله راكمت انتصارات محور المقاومة التي بدأت في العام ٢٠٠٠ وتعززت في العام ٢٠٠٥ ثم ٢٠٠٦ وأكدت أن بمقدورها إبقاء الباب مفتوحاً امام جهد إقليمي ودولي منسق لمواجهة الخطط الغربية بقيادة أميركية لمنع تثبيت دعائم النظام العالمي الأحادي القطبية الذي تسعى أميركا اليه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١، وقد كان واضحاً أن الرحم السوري يحتضن جنين النظام العالمي المتعدد الأقطاب المناقض للطموح الأميركي القائم على التفرد والأحادية والاستئثار.
وبعد عقد من الحرب الكونية الإرهابية تيقنت أميركا ان سورية دافعت وصمدت وشكلت العائق الرئيسي أمام تحقيق أهدافها وطموحاتها، وتيقنت أكثر بأن مختلف أساليب الحرب العسكرية الميدانية بالحديد والنار وكل فنون الإرهاب لم ولن تتمكن من لي الذراع السوري ولن تحقق لأميركا أهدافها الاستراتيجية النهائية أو الوسيطة، ما جعلها تنقلب الى اعتماد استراتيجية تدمير وإبادة وحشية ضد سورية تمثلت بحرب اقتصادية في منتهى القسوة والوحشية وضعت لها تشريعاً أميركياً أسمته قانون قيصر شرعت لنفسها فيه حصار سورية بشكل محكم يصل الى حد حرمان الشعب السوري من معظم مستلزمات الحياة ويترافق مع نهب أميركا لخيرات سورية النفطية والزراعية وحرمان شعبها من ثرواتها الطبيعية.
لقد أطلقت أميركا قانون قيصر في العام ٢٠١٩ مباشرة بعد أن أيقنت من فشلها الميداني ورأت فيه طريقاً للانتقام الوحشي من النجاح السوري في المواجهة، وحتى تكون مفاعيله شاملة وعميقة أرفقته بخطة بومبيو في لبنان التي هدفت الى تدمير لبنان اقتصاداً ومجتمعاً وأمناً، لمنعه من توفير المتنفس للاقتصاد السوري أو ليكون تضييقاً إضافياً على الاقتصاد السوري. وفي التطبيق حقق قانون قيصر وخطة بومبيو معظم ما أرادته أميركا من إفقار الشعب ومعاناته وأنتجت بيئة يمكن وصفها بأنها نوع من بيئة الإبادة الجماعية في الأبواب المعيشية والاقتصادية، إلا أنه لم يحقق الهدف الرئيس الذي توخته أميركا والذي هو بكل وضوح استسلام سورية وتحقيق أهداف «الربيع العربي» الكاذب.
فسورية التي صمدت في الميدان بوجه ٨٥ دولة شاركت في العدوان عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وسورية التي واجهت أكثر من ٣٦٠ ألف إرهابي حشدوا من أربع رياح الأرض، وسورية التي استعادت السيطرة على أكثر من 4/3 أرضها التي تمكّن الإرهابيون من إفساد الأمن فيها، سورية المنتصرة في الميدان العسكري هذه أغاضت أميركا التي تمارس سياسة الاستعلاء والهيمنة والسيطرة على الشعوب، وبدل أن تسلم أميركا بحقائق الميدان ومقتضيات حقوق الآخرين فإنها انقلبت الى سياسة الانتقام الوحشي ووضعت لذلك استراتيجية مطورة تقوم على أركان ثلاثة:
الاول يتمثل بإطالة أمد الصراع ومنع سورية من استثمار إنجازاتها الميدانية ومنعها من العودة الى الحياة الطبيعية وإطلاق عملية إعادة البناء واستعادة السوريين النازحين الى دول الجوار.
الثاني احتضان ودعم المشروع الانفصالي الكردي في الشمال الشرقي السوري ورعاية الجماعات الإرهابية التي تتوزّع على عناوين مختلفة من «داعش» الى «نصرة» الى «تحرير الشام» الى… الى.. لإبقاء الميدان ملتهباً بوجه الدولة السورية.
الثالث تشديد الحرب الاقتصادية مع تطوّرها الى شكل من أشكال الإبادة الجماعية، وهي الحرب التي بدأت بقانون قيصر /٢٠١٩ مع ما تضمنه من تدابير وإجراءات وحشية رمت التي تجويع الشعب السوري، ولما لم يؤد المطلوب أميركياً جاءت أميركا اليوم بما هو أفظع مادياً ومعنوياً واعتمدت تشريعاً جديداً أسمته «قانون التصدّي للأسد في ترويجه ومتاجرته بالمخدرات» أو (كابتغون) CAPTAGON وهي الأحرف الأولى لعنوان القانون بالإنكليزية:
« Countering Assad’s Proliferation Trafficking And Garnering Of Narcotics»
إن الاستراتيجية الأميركية المعتمدة حالياً ضد سورية وبخاصة في فصولها الأخيرة تعتبر من أبشع أنواع العدوان والإجرام الدولي بحق الدول والشعوب. وهي لا تتوقف عند عمل في الميدان أو تضييق في الاقتصاد بل إنها تتوسّع لتشمل مواطن مادية ومعنوية من شأنها تجويع الشعب وحرمانه من أبسط مقوّمات العيش خاصة من مصادر الطاقة والغذاء والدواء، ومؤخراً أدخلت عاملاً جديداً عليها وهو الإساءة المعنوية والأخلاقية للدولة باتهامها بأنها تصنّع وتكدّس وتروّج وتهرّب المخدرات في المنطقة. وهي افتراءات كاذبة وادعاءات ترمي أميركا من خلالها إلى التعتيم على حقيقة سورية وحجب مواطن العنفوان والقوة والوطنية والبطولة السورية في مواجهة العدوان والتصدّي للإرهاب وإظهارها بأنها عبارة عن جماعات إجرامية خارجة على القانون تفسد المجتمعات من خلال ترويج المخدرات،
إن الفصل الأخير من كتاب العدوان الأميركي علي سورية ومع ما تضمنه من فجور إجرامي وكيدي وتحريضي تفرض على الجميع في المنطقة عرباً وأصدقاء للعرب، مسلمين وأصدقاء للمسلمين، وكل إنسان حر وشريف، تفرض عليهم الوقوف كلٌّ في دائرة فعله وتحركه ونشاطه وتأثيره، الوقوف في مواجهة هذا العدوان الإجرامي اللئيم. وهنا نجد هذا التصدي المطلوب يمكن ان ينفذ وفقاً لعدد الدوائر من المكونات التي يجب أن تبذل كل في نطاقه، ما بوسعه للتصدي لهذه الحرب الإجرامية الظالمة ضد سورية، وكما يلي:
على الصعيد العربي والإسلامي والإنساني العام: ينبغي التصرف على أساس أن سورية دولة معتدى عليها من غير وجه حق، وأنها هي في موقع الدفاع المشروع عن نفسها، كما واعتبار ان ما يستهدف سورية من قبل أميركا انما هو عدوان وحشي يستهدف الإنسان ويستهدف حقوق الإنسان وقضايا الإنسان والأمة والشعب وفي طليعتها القضية الفلسطينية، إذ إن سورية لو سلّمت واستسلمت للمطالب الصهيونية، فيما خصّ كرامة الأمة وحقوقها وحقوق الفلسطينيين لما كانت عرضة لهذا العدوان. وبالتالي اعتبار الوقوف مع سورية ونصرتها إنما هو واجب أخلاقيّ وإنساني قبل أن يكون أي شيء آخر.
على الصعيد الحقوقي والقانوني، ينبغي التحرّك من قبل أصحاب الاختصاص والمؤهلات، لدى الهيئات والمنظمات الدولية التي تهتمّ أو تروّج لنفسها بأنها تهتم بحقوق الإنسان ومطالبتها بالتصدّي لسياسة الإبادة الجماعيّة التي تنتهجها أميركا في سورية ومطالبتها بفضح فصول هذا العدوان وممارسة أقصى الضغوط عليها لوقفها.
على الصعيد الإعلامي، نرى أن للأعلام دوراً هاماً في فضح العدوان الأميركي وتسليط الضوء على الجرائم الأميركية في سورية. وهنا يكون من المهم كشف كل ذلك والعمل على التصدي اليومي له عبر البرامج والحوارات والتقارير اليومية.
على الصعيد الشعبي العام، من المهم أن تتحرك القوى والمنظمات الأهلية في فعاليات جماعية للتظاهر والاحتجاج أمام السفارات الأميركية والغربية الأخرى رفضاً لهذا العدوان وأن يكون التحرك مستداماً لا ينقضي بمجرد تظاهرة في يوم واحد.
على الصعيد المادي والمساعدات هنا نرى أن هناك دوراً هاماً للمكوّنات والقوى والدول كل في مجاله بدءاً من دول الجوار السوري، مروراً بالدول أصدقاء وحلفاء سورية وصولاً الى كل الهيئات والقوى التي بمقدورها تقديم المساعدات العينية والنقدية والمالية المختلفة للتخفيف عن الشعب السوري.
ويبقى أخيراً وهو مهم أن نؤكد على دور المقاومة الوطنية السورية الي انطلقت في مواجهة الاحتلال الأميركي بهدف إزالته.
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي.