عام جديد يحمل مزيد من المعاناة للبشرية!
د. محمد سيد أحمد
يقترب هذا العام من الانقضاء وهو عام حمل الكثير من المعاناة للبشرية، ففي نهاية الشهر الثاني منه خرج علينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليعلن عن عملية عسكرية روسية داخل الأراضي الأوكرانية، وقبل بدء العملية حاول الرجل توضيح الأمر حيث قدّم مبرّرات بلاده لاتخاذ هذه الخطوة التي أربكت العالم أجمع، فأوكرانيا ومنذ استقلالها في عام 1991 وهى تنسلخ من الرابطة التاريخية مع روسيا الاتحادية، وتنخرط ضمن الحلف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ومن هنا بدأ الخلاف حيث شعرت روسيا بالتبعية الكاملة لأوكرانيا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو الذي وعدها بالانضمام إليه، وبدأت الأخبار تتواتر حول إقامة قواعد عسكرية للحلف على الأراضي الأوكرانية وهو ما تعتبره روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ونتيجة لذلك قامت القوات المسلحة الروسية في عام 2014 ببسط سيطرتها على شبه جزيرة القرم، وأجرت استفتاء ضمّت على أثره شبه الجزيرة إلى قوام روسيا الاتحادية، وهو ما اعتبرته أوكرانيا ومعها أميركا وحلف الناتو احتلالاً وتعدّياً على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وبعد ذلك تصاعدت مظاهرات مؤيدة لروسيا من قبل جماعات انفصالية في دونباس شرق البلاد، مما أدّى إلى حدوث صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والمجموعات الانفصالية المدعومة من روسيا، وفي شهر أغسطس/ آب 2014 عبرت المدرّعات الروسية حدود دونيتسك من عدة مواقع، حيث أدّى توغل الجيش الروسي إلى هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية.
ومنذ ذلك التاريخ والنيران مشتعلة بين روسيا وأوكرانيا وحاولت روسيا كثيراً عبر السنوات الثماني الماضية الوصول لحلّ سلمي مع الحكومة الأوكرانية يضمن لها حفظ أمنها القومي ومنع أوكرانيا من إقامة قواعد عسكرية غربية على أراضيها وتحجيم تسليحها خاصة النووي، إلا أنّ حلف الناتو ظلّ يدعم الحكومة الأوكرانية ويزيد من استفزازه لروسيا الاتحادية التي قرّرت في النهاية دعم الجمهوريات الأوكرانية الراغبة في الانفصال حيث اعترفت قبل العملية العسكرية بأيام بجمهوريتي لوهانستيك ودونستيك، ثم أعلن الرئيس بوتين عن العملية العسكرية لحماية دونباس في جنوب شرق أوكرانيا، وأكد بوتين قبل بدء العملية أنّ روسيا لا تخطط لاحتلال الأراضي الأوكرانية، لكنها لن تسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية، وأنّ روسيا تعتبر أنه من المهمّ تمتع جميع شعوب أوكرانيا بحق تقرير المصير، وأنّ تحركات روسيا مرتبطة بحماية نفسها من أولئك الذين احتجزوا أوكرانيا رهينة، وأكد أنّ الهجوم المباشر على روسيا سيؤدي لعواقب وخيمة، وفي حالة حدوث تدخل خارجي في الوضع بأوكرانيا ستردّ روسيا على الفور، وبالفعل بدأت العملية التي كان مخطط لها أن تستمرّ لأيام فقط، لكن التدخل الغربي (الأميركي ـ الأوروبي) أطال أمدها لعشرة شهور كاملة، وهو ما ألقى بتداعياته على الاقتصاديات العالمية.
وخلال الأشهر الماضية استخدم كلا الطرفين كلّ أوراقه المتاحة ففي الوقت الذي فرض الغرب عقوبات وحصار اقتصادي كبير على روسيا، ردّت روسيا بالمثل وقامت باستخدام الورقة ذاتها حيث منعت إمدادات الطاقة المتجهة صوب أوروبا مما أصاب الدول الأوروبية بشلل تامّ وأغلقت معظم مصانعها المعتمدة بشكل رئيس على مصادر الطاقة الروسية، هذا إلى جانب ورقة الحبوب التي تنذر بأزمة غذاء، وهو ما جعل الشارع الأوروبي ينتفض في وجه حكوماته من أجل الانسحاب من دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، ومع دخول فصل الشتاء أصبحت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في مأزق شديد، ورغم ذلك لم تتوقف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عن دعم أوكرانيا في حربها التي تخوضها بالوكالة عن الحلف الغربي، وخلال هذا الأسبوع قام الرئيس الأوكراني زيلينسكي بزيارة تاريخية لواشنطن هي الأولى له منذ بدء الحرب قبل عشرة أشهر التقى فيها الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكد دعمه لأوكرانيا خلال حربها مع روسيا مؤكداً لزيلينسكي “لن تكونوا أبداً وحدكم.. نحن ندرك أنّ معركة أوكرانيا تندرج في إطار أمر أكبر بكثير.. والشعب الأميركي يعرف أنه ما لم نتصدّ لمثل هذه الهجمات الصارخة على الحرية والديمقراطية والمبادئ الأساسية مثل السيادة وسلامة الأراضي فإنّ العالم سيواجه عواقب وخيمة… سنبقى إلى جانبكم ما دامت هناك حاجة لذلك.. وسوف نقدّم مساعدات عسكرية إضافية بقيمة تقترب من 2 مليار دولار تشمل نقل منظومة باتريوت للدفاع الجوي”.
في المقابل أكد زيلينسكي لأعضاء الكونغرس “أنّ المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة للتصدي للهجوم الروسي على بلاده ليست صدقة بل هي استثمار في الأمن العالمي والديمقراطية.. ونحن نديرها بأكثر الطرق مسؤولية.. وقواتنا صامدة في مواقعها ولن تستسلم أبداً”.
ورداً على الزيارة ونتائجها صرحّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “أنّ جيشه قادر على تدمير صواريخ باتريوت التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة بنسبة 100%.. وأنّ التصرفات الغربية مصمّمة على تقسيم العلاقات الجيدة بين روسيا وأوكرانيا”.
ويبدو من ذلك أنّ الحرب سوف تستمرّ خلال العام الجديد، فالولايات المتحدة الأميركية ورغم قدوم الجمهوريين كأغلبية في التجديد النصفي للكونجرس إلا أنهم لم ينفذوا وعودهم بالتوقف عن دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وهو ما يؤكد أنّ القوى الصلبة في الإدارة الأميركية بعيداً عن (الكونغرس والبيت الأبيض) ومن يسيطر عليهما من (الجمهوريين والديمقراطيين) ترغب في استمرار الحرب التي تخوضها أوكرانيا بالوكالة عن الغرب ضدّ روسيا، ذلك لأنهم يدركون أنّ انتصار روسيا في هذه الحرب يعني أنّ الخريطة الدولية سوف تتغيّر وتصبح متعددة الأقطاب وبذلك ينتهي للأبد النظام العالمي ذو القطب الأوحد، والذي كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية هى الحاكم الوحيد لكوكب الأرض والمتحكم في ثرواته، لذلك يحاولون تعطيل الوصول لهذا النظام الجديد أطول فترة ممكنة، وبذلك سوف تستمرّ معاناة البشر فوق كوكبنا خلال العام الجديد، ومن المتوقع أن يدفع الفقراء حول العالم فاتورة هذه الحرب، فلم يعد الفقراء قادرين على مواجهة غول الأسعار الذي يلتهم دخولهم، دون أن يتمكنوا من إشباع احتياجاتهم الأساسية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.