حرب الإبادة الأميركية على سورية مستمرّة وأفكار حول مواجهتها
} زياد حافظ*
مشروع قانون الكابتاغون الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ الأميركي مؤخّراً هو تأكيد على استمرار سياسة تجويع سورية وإنْ كان «العذر» هذه المرّة مكافحة المخدّرات. فالقانون الجديد متمّم لقانون قيصر الذي أُقّر في منتصف شهر كانون الأول 2019 والذي يفرض عقوبات على الدول والمؤسسات والشركات والأشخاص التي تتعامل مع الدولة السورية. ويتفاخر الدبلوماسي الأميركي السابق فرانك جيفري المسؤول السابق عن الملفّ السوري في الخارجية الأميركية بأنه كان «مهندساً لتجويع سورية». الحقد الأميركي على سورية يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث حاولت إدارات أميركية متتالية السيطرة على سورية مدشّنة عصر الانقلابات في الخمسينات. لكن سورية كانت وما زالت وستستمر عصّية على كل من يحاول تقويض استقلالها ونهجها العروبي. فإطلاق الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر شعار «سورية قلب العروبة النابض» يتجلّى في ثوابت مواجهتها مع الاستعمار الغربي والهيمنة الأميركية وقبل كلّ شيء في مواجهة والتصدّي للكيان الصهيوني.
المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية عادوا إلى الواجهة في تصعيد العداء لسورية لأنها أفشلت مشاريعهم في خلق شرق أوسط جديد عبر دعمها للمقاومة في لبنان والعراق في مواجهة الاحتلال والاعتداءات الصهيونية على سورية ودعمها للمقاومة للاحتلال الأميركي للعراق. والعدوان الكوني على سورية الذي قادته بمؤازرة بعض الأنظمة العربية لم تفلح في أسقاط سورية فلجأت الإدارات المتتالية منذ ولاية بوش الابن إلى تجويع سورية مرتكبة عن قصد وعمد جريمة ضد الإنسانية.
القانون الجديد الذي صدر عن مجلس الشيوخ الأميركي والذي سيقوم بتوقيعه الرئيس الأميركي في الأيام المقبلة له دلالات من عنوانه. فالكابتاغون ليس اسماً لنوع من المخدرات بل الأحرف الأولى لمناهضة الأسد في ترويجه ومتاجرته للمخدرات (Countering Assad’s Proliferation Trafficking and Garnering of Narcotics)
أي بمعنى آخر تحميل الرئيس الأسد المسؤولية الشخصية لواقع المتاجرة بالمخدرات. ووفقاً لذلك القانون هناك إمكانيات للقيام بعمليات عسكرية في سورية ضدّ مواقع «إنتاج وتخزين المخدرات» ما يعني أنّ هذا القانون يعطي «شرعية» أميركية للتدخل العسكري في سورية بينما «قانون قيصر» لم يغطّ التدخل العسكري الأميركي في شرق سورية. كما أنّ القانون الجديد يعتبر سورية دولة مخدرات (narco state) يمكن مواجهتها عسكرياً إذا ما شكّلت تهديداً للأمن القومي الأميركي! فبدلاً من تقوية الدولة السورية لمكافحة المخدرات تقوم الإدارة الأميركية بالمزيد من الحصار والتجويع لسورية ما يدلّ على أنّ الهدف ليس مكافحة المخدّرات، ولا حتى «الإرهاب»، بل لتقويض سورية عبر تجويعها وبالتالي إبادتها. فالدولة السورية تتعاون مع الأجهزة الدولية لمكافحة المخدرات ولم تتوقف عن ذلك التعاون.
الحصار على سورية ليس جديداً بل ما هو جديد هو إسقاط الأقنعة. فالولايات المتحدة تحتلّ أجزاء من الأراضي السورية وتنهب النفط السوري الذي تهرّبه عبر العراق وتركيا. والأراضي الزراعية يتمّ العبث بها وحرق المزروعات للتجويع علما أنّ سورية كانت وصلت إلى الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية وهذا ما تعمل الولايات المتحدة على ضربه. وفيما يتعلّق بالمحروقات فتقوم الولايات المتحدة بالإيعاز للدول التابعة لها كاليونان بمصادرة البواخر الإيرانية التي تحمل النفط والفيول وسائر المشتقات ما يؤجّج أزمة الطاقة في سورية على كافة الأصعدة.
إجراءات وأفعال الإدارة الأميركية هدفها الوحيد ترويض وحتى تفكيك سورية خدمة للكيان الصهيوني. ليست للولايات المتحدة مصالح خاصة بها غير الكيان الصهيوني. فاستراتيجية مواجهة الولايات المتحدة لا تنفصل عن مواجهة الكيان الصهيوني لجعله عبئاً على الولايات المتحدة. والجنوح نحو التطرّف العنصري داخل الكيان وفي حكوماته تضعف كثيراً القوى المؤيّدة للكيان في الإدارة الأميركية وخارجها وخاصة في ساحة الإعلام. لكن بالنسبة لسورية فما زال الخطاب الأميركي يتهم سورية بالإرهاب والتحوّل إلى دولة مخدّرات ولدولة مارقة يجب الهجوم عليها.
ليس من الواضح كيف ستنفّذ الولايات المتحدة أحكام ذلك القانون وخاصة في ما يتعلّق بالعمليات العسكرية ضدّ «مواقع المخدرات» في سورية. هذا يعني اشتباك مباشر مع الجيش العربي السوري وهذا ما تجنّبته الولايات المتحدة حتى الآن فهل بمقدورها أن تفتح جبهة في سورية وهي تخسر في أوكرانيا وقد أظهرت عجزها عن التدخّل المباشر لها؟ أما تكليف الكيان الصهيوني بتلك المهام فهذا يعني تبنّي مواقف الحكومة الصهيونية المتطرّفة وهذا أمر قد يصعب الوصول إليه مع إدارة بايدن لما أبدته من تحفّظات تجاه الإجراءات التمييزية العنصرية للكيان وارتداداته على الصعيد الداخلي الأميركي.
لقد أشرنا في ورقة قُدّمت للملتقى الافتراضي لدعم سورية ورفع الحصار عنها الذي عُقد نيسان/ ابريل 2021 أنّ سياسة العقوبات لا جدوى لها لا في سورية ولا في العالم. والقانون الجديد لن يغيّر في ذلك الأمر. وهذا ما يؤكّده فشل سياسة العقوبات المفروضة على روسيا منذ شباط/ فبراير 2022 بسبب العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وهذا الفشل في روسيا كما في أماكن أخرى يعود إلى التغيير في موازين القوّة بين المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة عبر الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي والمعسكر المناهض للهيمنة الأميركية الذي تقوده كلّ من روسيا والصين والذي انضمّ إليه كلّ من الهند ودول الجنوب الإجمالي في أفريقيا وأميركا اللاتينية والدول الآسيوية. هذا يعني أنه بإمكان رفع وتيرة مناهضة الحصار على سورية وعلى الدول التي تُفرض عليها العقوبات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
لذلك في إطار التغييرات المفصلية في موازين القوّة دولياً وإقليمياً وعربياً حيث الخيارات التي كانت محدودة لدول المنطقة أصبحت أكثر إمكانية وخاصة مع تداعيات المبادرة الصينية في الحزام الواحد يمكن استخلاص معالم استراتيجية لدعم سورية ورفع الحصار عنها. فاستراتيجية الدعم مبنية على اعتبارات أخلاقية أولاً، وقانونية ثانياً، وسياسية ثالثاً، وقومية رابعاً. لذلك نبدي معالم الاستراتيجية عبر الملاحظات التالية…
الملاحظة الأولى هي ضرورة جعل الخطاب القومي العربي الرافض للحصار والعقوبات على سورية متلازماً مع الخطاب المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني. فرفع الحصار ورفض العقوبات قضايا قومية لا تقلّ أهمية عن القضية الفلسطينية. فاستمرار دعم سورية في ثوابتها في دعم القضية الفلسطينية عبر دعم المقاومة هو دعم للمقاومة ولمحورها ولفلسطين.
الملاحظة الثانية هو تشكيل تنسيقيات في مختلف أقطار الوطن العربي تقوم بتحفيز المواطنين على رفض الحصار والعقوبات كما ترفض الحصار على غزّة وتدعم صمود أهلنا في فلسطين والقدس. فصمود سورية من صمود القدس وفلسطين.
الملاحظة الثالثة هي رفع مستوى المواجهة على الصعيد القانوني حيث الهيئات القانونية العربية وخاصة نقابات المحامين والتجمعات المماثلة أن تقوم بملاحقة قانونية لمسؤولي الإدارة الأميركية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية كما أكدته تقارير الأمم المتحدة حول نتائج الحصار على سورية.
الملاحظة الرابعة هي ضرورة ارتفاع الضغوط على الحكومات العربية لتقدّم الدعم لسورية على الأقلّ في المحروقات.
الملاحظة الخامسة توجيه رسائل عبر وفود شعبية لسفارات الصين وروسيا والجمهورية الإسلامية في إيران للمزيد من الدعم لسورية في صمودها في وجهة الحصار والعقوبات. فهذه الدول تخوض معركة كسب العقول وقلوب العرب ودعم سورية يساهم في كسب تلك المعركة.
الملاحظة الخامسة رفع وتيرة المقاومة الشعبية في سورية ضد التواجد الأميركي في شرق سورية. فطالما «كلفة الاحتلال» الأميركي منخفضة فسيستمرّ الاحتلال. والمواجهة مع قوّات الاحتلال لا تغني عن المواجهة لجماعات التعصّب والغلوّ والتوحّش في منطقة إدلب.
الملاحظة السادسة هي استمرار رفع وتيرة المواجهة مع العدو الصهيوني في مختلف أماكن فلسطين المحتلة لجعل الكيان أكثر عبئا ًسياسياً وأخلاقياً على الولايات المتحدة.
هذه بعض الأفكار التي يمكن مناقشتها بين مختلف التنسيقيات والتجمعات الرافضة للتطبيع مع الكيان والداعمة لسورية. فمن يدعم فلسطين عليه أن يدعم سورية ولا انفصال ممكن بين ساحتي المواجهة.
*باحث وكاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي