مقالات وآراء

سورية والحلول الاقتصادية الممكنة.. دور الحكومة والمواطن

‭}‬ د. حسن مرهج
بعد سنوات الحرب التي أرهقت سورية والسوريين، ثمة أسئلة بأطر اقتصادية وسياسية يفكر فيها كلّ السوريين في كلّ مكان، داخل سورية وخارجها؛ فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية أصبحت تضيّق الخناق على غالبية السوريين، وبات لسان حالهم اليومي يُطالب بتعديل هذه الأوضاع الصعبة، حتى أنّ السوريين باتت مقارنتهم تقتصر على واقعهم الذي عاشوه قبل سنة وربما أقلّ، إذ أنّ ما يعيشه السوريون اليوم لجهة الأوضاع المعيشية، قارب مستويات غير مسبوقة، كلّ ذلك كان جراء عوامل اجتمعت في بوتقة الاقتصاد، بعد الفشل الغربي في العناوين السياسية والعسكرية، فالاقتصاد عصب الجميع ومن خلاله يمكن تحريك الكثير من الجزئيات سلباً أم إيجاباً، وهنا لا ننكر إطلاقاً حاجة السوريين إلى واقع أفضل، لكن لا بدّ من مقاربة الواقع وفق أسس منطقية، ونسقطها على جملة من التطورات، والتي ستنتهي إلى حلّ سياسي يُعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح.
حقيقة الأمر، أنّ الحكومة السورية تعمل في توقيت استثنائي ضاغط، نظراً لتردي الأوضاع التي يعيشها السوريون وغلاء الأسعار الذي أرهق المقتدر مادياً، فكيف برقيق الحال، وبالتالي فإنّ هذه الحكومة تحمل وفق توجيهات الرئيس الأسد شعاراً واضحاً يتمحور حول العمل ثم العمل ثم العمل، للعبور بالسوريين إلى شاطئ الأمان الاقتصادي، ولعلّ هذه المهمة صعبة جراء التدمير الممنهج للاقتصاد السوري، وهنا لن نسرد ما قامت به تركيا وعصاباتها وكذا أميركا وبيادقها «قسد» وغيرهم من العصابات الإرهابية»، فالأمر بات معروفاً للجميع، إذ أنّ الأرضية التي يقف عليها الاقتصاد السوري، لم تعد قوية إلى الحدّ الذي يُمكن الاعتماد عليه لجهة النهوض مجدداً بالاقتصاد السوري، لكن في المقابل فإنّ روسيا وإيران وانطلاقاً من تحالفهم مع دمشق، وبغضّ النظر عن الظروف السياسية للبلدين، فهم أيضاً لديهم رؤية اقتصادية قادرة على إنقاذ السوريين، ومنع انجرارهم إلى بوتقة الخطط الأميركية، لإحداث حالة من الفوضى في الداخل السوري.
كلّ ما سبق يمكن البناء عليه، ويمكن أيضاً ووفق منهجية الرئيس الأسد، اتباع إجراءات متعدّدة تسمح بإعادة ترميم الاقتصاد؛ هذه الإجراءات يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً: من الضروري إعادة توصيف الأزمة الاقتصادية في سورية، مع ضرورة وضع مشهد موازٍ يشمل الاقتصاد السوري ما قبل الحرب وأثناءها وصولاً إلى اليوم، مع وضع توصيفات وحلول اقتصادية لما بعد الحرب.
ثانياً: تطويق الأزمة الاقتصادية في سورية ومنع استمرارها أو تفاقمها، وذلك يأتي عبر وضع آليات اقتصادية علمية ومدرسة بدقة، تعتمد على تخفيض الأسعار وفرض مسار ذلك من قبل الدولة السورية، مع رفع يد التجار عن المواد الأساسية التي تعزز صمود المواطن السوري.
ثالثاً: السماح للتجار ورؤوس الأموال باستيراد السلع وبطرقهم الخاصة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تنافسية يتبعها تخفيض الأسعار، خاصة أنّ كلّ المستوردين يقومون بتمويل مستورداتهم بالدولار «المدعوم» من قبل الدولة، ليقوم بعد ذلك هؤلاء التجار ببيع بضاعتهم على أساس سعر الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي يجب أن تراقبه الدولة وتفرض عقوبات صارمة وحازمة تُجاه كل الذين يتاجرون بقوت الشعب.
رابعاً: من الضروري أن يتمّ العمل على إنهاء معاناة السوريين الناجمة عن الواقع المعيشي الذي يعاني منه غالبية السوريين، يأتي ذلك من خلال الربط بين الأسواق ومراقبة التجار وعمليات الاستيراد وتسعير المواد الغذائية وغيرها، إذ يؤكد غالبية السوريين بأن لا ثقة لهم بالتجار، وعلى الدولة ان تضطلع بهذه المهام، بُغية ترميم الهوة في حياة السوريين المعيشية.
وربطاً بما سبق، فإنّ الرئيس الأسد، ومن خلال لقاءاته سواء مع إعلاميين أو اقتصاديين، فقد أكد مراراً، بأنّ الإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية، إنما تعمل وفق أسس مرتبطة بشكل أو بآخر، بحالة الحرب التي تعاني منها سورية، لكنها إجراءات ناجعة، وستُحقق نتائج باهرة، دون إحداث حالة من الفوضى الاقتصادية، خاصة أنّ سنوات الحرب التي شُنت على سورية، كان لها الأثر البالغ في ضعضعة عناوين الاقتصاد الوطني في سورية، وهذا الأمر لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده أو تأثيراته، وبالتالي ثمة إجراءات قد تتبلور في مطلع العام الجديد.
ومن المهمّ أن نُذكر، بأنّ حلفاء دمشق، لهم دور مركزي في عناوين الواقع الاقتصادي في سورية، لا سيما أنّ اللقاءات الاقتصادية بين دمشق وطهران وموسكو، ومؤخراً بكين، سيكون لها نبض اقتصادي واضح خلال الفترة المقبلة، وهنا لن نتعمّق في توصيفات المناخ الإقليمي والدولي، وحالة الاصطفاف الاقتصادي والتي باتت واضحة للجميع، إلا أنّ دمشق وموقعها الجغرافي المتميّز، سيغدو ملعباً اقتصادياً للجميع، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
ختاماً، تعوّدنا أن لا نمزج العواطف بالتحليل سواء السياسي أو الاقتصادي، لكن وبكلّ وضوح، ثمة مصادر مطلعة في دمشق، تؤكد أنّ حالة الانفراج الاقتصادي باتت قريبة، وثمة إجراءات غاية في الأهمية ستُتخذ في القريب العاجل، وسيكون للمواطن السوري إمكانية التشاركية بهذه الإجراءات، عبر قوانين جديدة تختلف في الجوهر والمضمون، عن جُلّ الإجراءات الماضية والتي وضعت الاقتصاد السوري، ضمن دائرة ضيقة، وعليه، يمكن القول صراحة بأنّ سورية والسوريين، على موعد مع انفراج اقتصادي، هو قريب جداً، وبالتأكيد لا نبيع السوريين أوهاماً…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى