بوتين وبينغ والشراكة الاستراتيجية
تتبلور الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين كركن رئيسي في صناعة المشهد الدولي الجديد، بصورة علنيّة تعكس قرار الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ ترجمة التطورات الاقتصادية والسياسية الإقليمية لتسريع نشوء معادلة دولية قوامها إعلان نهاية عصر القطبية الأحادية الأميركية، والانتقال إلى عصر التوازن الذي يوفره عالم متعدد الأقطاب تجاهر بالعمل لأجل قيامه كل من موسكو وبكين.
في لقاء عُقد بالفيديو أمس، بين الرئيسين بوتين وبينغ أعقب رسالة رئاسية من بوتين الى بينغ حملها الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيديف، حديث واضح من زعيمي البلدين على خيار التكامل الاقتصادي بوجه نظام الانعزال الأميركي والغربي الناتج عن العقوبات. روسيا والصين اليوم أكبر بلد منتج للنفط والغاز وأكبر بلد يستهلك النفط والغاز على مستوى العالم، والدولة الأولى في الإنتاج العسكري، وأول دولة في الإنتاج المدني، وفيما تبدو روسيا والصين قادرتين معاً على الاستغناء عن شراكات أخرى، يبدو العالم كله عاجزاً عن الاستغناء عن روسيا والصين.
فيما تبدو العلاقات الاقتصادية بين أميركا وأوروبا كركنين مقابلين لثنائي روسيا والصين، علاقات مأزومة، فتسبب العقوبات الأميركية على أنواع من المنتجات مثل الصلب والحديد، باختناق أوروبي، تتسبّب الرسوم الجمركية الحمائية في أميركا بأزمة قطاع السيارات الأوروبي، وتتسبب العقوبات الأميركية على روسيا والصين وإيران بركود اقتصادي أوروبي، وتبيع واشنطن لأوروبا الغاز بأربعة أضعاف السعر الذي كانت تشتريه به الغاز الروسي، فتقفل بعض مصانعها وتنزح بعضها إلى أميركا، تظهر العلاقة المتكافئة وفق معادلة رابح رابح عنوان الشراكة بين روسيا والصين، وأغلب التبادل التجاريّ يتمّ بالعملة الوطنية وبأسعار تفضيلية، فيكون الطرف الثاني شريكاً مميزاً للطرف الأول يحظى بمعاملة لا ينالها سواه.
روسيا والصين تتقدّمان بفائض قوة مخزون خبرات وقدرات إنتاج ومواد أولية وأسلحة وسلة سلع غير محدودة وموارد الطاقة بأنواعها، يبدو الحديث عن التكامل الأميركي الأوروبي كذبة كبيرة، وفيما يبدو كل من روسيا والصين بلدين يصعب الاستغناء عنهما في الاقتصاد العالمي، وهما يستطيعان الاستغناء عن العالم عبر تكاملهما معاً، يبدو الاقتصادان الأميركي والأوروبي أقل حاجة لبعضهما من حاجتهما لكل من روسيا والصين.
هذا هو الأساس لصعود معادلة العالم الجديد الذي لن يتأخر بالتبلور الواضح في معادلات السياسة مهما كانت المكابرة والإنكار في تعامل الغرب مع الوقائع الدامغة.
التعليق السياسي