ما هو السرّ الذي تركه الملك بيليه في بيروت عام 1975؟
بهيج حمدان
بالأمس ودّع العالم ملك كرة القدم البرازيلي بيليه الى مثواه الأخير، ونُكّست الأعلام في الكثير من دول العالم.
وكان بيليه الملك زار لبنان وارتدى قميص نادي النجمة ولعب شوطاً واحداً خلال مباراة النجمة ومنتخب جامعات فرنسا على ملعب المدينة الرياضية بحضور ما ناهز الأربعين ألف متفرّج في السادس من نيسان عام 1975، وانتهت المباراة لمصلحة النجمة 2 ـ صفر.
ولا شك انّ السادس من نيسان 1975 كان يوماً عظيماً للكرة اللبنانية، وكان نادي النجمة أشبه بخلية نحل، استعداداً للحدث الكبير…
إلا أنّ حادثة حصلت من خارج السياق أقلقت الجميع وأربكت الملك الزائر لكنها بقيَت طيّ الكتمان!
وقد ألمحتُ إليها بقليل من التفاصيل في كتاب “نادي النجمة الرياضي عصب الكرة اللبنانية وبطل تاريخها المجيد” في نسخته الأولى والثانية والثالثة، والمفقود حالياً تماماً.
اليوم بعد 48 عاماً على الحادثة، أورد بعض التفاصيل الإضافية التي عشتها آنذاك كأمين للسر العام لنادي النجمة من العام 1970 الى العام 1987:
في صبيحة يوم السادس من نيسان 1975 أبلغني رئيس الهيئة المرافقة للنجم البرازيلي انّ بيليه استيقظ باكراً في فندق “هوليداي إن” وتناول إفطاره في الثامنة والنصف، وكان في انتظاره عدد من الزوار حضروا للتحدّث إليه فاعتذر ولم يقابلهم، وفي الساعة العاشرة ارتدى المايوه ونزل الى البيسين وجالس بعض الحسناوات البرازيليات، ثم صعد الى غرفته وأخلد للراحة، ولما استيقظ طلب غداء خفيفاً، ولما صحا طلب مخابرة منزله في البرازيل، ثم تناول قيثارة وراح يعزف عليها لمدة نصف ساعة. وفي الواحدة والنصف جاءته مخابرة من عائلته وتحدث الى زوجته والى ابنته الصغيرة التي قالت له: ألم تقل لي يا بابا أنك اعتزلت اللعب؟ فأجابها: أنا عند وعدي… وهذه المرة ليست المباراة ككلّ المباريات.
وفي الساعة الثانية والنصف حضر رئيس نادي النجمة الحاج عمر غندور لمرافقة بيليه الى المدينة الرياضية ومعه مدير أعماله ومدرّبه في موكب رسمي تتقدّمه الدراجات النارية. وخلال الطريق همس الحاج عمر غندور في أذن ضيفه مازحاً: عندنا في نادي النجمة نظام ينص على حسم بعض من راتب اللاعب إذا تقاعس في الملعب، فضحك بيليه وقال للريس: أصبح معلوماً…
وعند وصول الموكب الى المدينة الرياضية اندفع آلاف النجماويين الى سيارة الحاج عمر وهم يعرفونها جيداً، ويقول زميلنا في الهيئة الإدارية ومسؤول الانضباط على أبواب الملاعب محمد السباعي: كنا عاجزين عن ضبط الوضع ورحت أصرخ يا شباب الريس بيطلب منكم تساعدونا في حفظ النظام فتراجع الكثيرون… وهكذا كان.
وبعد ان شارك بيليه في الشوط الأول وارتدى قميص النجمة وعليه الرقم 10 وكانت إطلالته على الجماهير بقميص النجمة والرقم 10 عصية على الوصف، وغادر الملعب قبل انتهاء المباراة بتسع دقائق.
وفي ذلك اليوم الطويل كنت أسرع الخطى الى جريدة “اللواء” متأخرا، وما ان وصلت حتى اتصل بي الحاج عمر غندور وأخبرني انّ النجم بيليه طلب منه الاهتمام بفتاة برازيلية حاولت الانتحار ونقلت الى مستشفى المقاصد، وطلب مني أن أذهب الى المستشفى لتقديم ايّ مساعدة ممكنة للفتاة البرازيلية، وأن يبقى الأمر سرياً ولا يتسرّب الى الصحف، فطمأنه الحاج عمر.
انتابني شيء من الارتباك حيال فتاة لا أعرفها ولا أعرف ظروف انتحارها وهل هي في حالة خطرة وما عساي أن أقدّمه من مساعدة!
وعندما وصلت الى المستشفى سألت عن الفتاة فأرشدوني إليها في جناح الدرجة الثالثة، فإذا هي فتاة بارعة الجمال دون العشرين ربيعاً، سمراء، في عنقها صليب من ذهب، وعلق في يدها أنبوب مصل بينما ضمدت اليد الأخرى وكان العرق يتصبّب من جبينها. وظهر عليها الامتنان عندما عرفت أنني حضرت لمساعدتها. ثم توجهت الى إدارة المستشفى وأبلغتها انّ نادي النجمة يتحمّل جميع نفقات الفتاة البرازيلية، وهكذا كان…
وقد اتضح لي انّ الفتاة البرازيلية مغرمة بالنجم بيليه إلى درجة الهوس وعلمت بوصوله الى بيروت فلاحقته بعد أن اهتدت الى الفندق الذي ينزل فيه وقابلته بعد إلحاح مفصحة عن حبها له، وأراد النجم ان يقنعها بأنه ليس في وارد ما تطلبه فهدّدته بالانتحار ما لم يتجاوب وغادرت الفندق الى فندق آخر ومن هناك اتصلت بأحد مرافقي النجم وأخبرته انها انتحرت بقطع شرايين معصمها وهي موجودة في المكان الفلاني.
وفي مستشفى المقاصد لعبت الفتاة التي رافقتني الى المستشفى الآنسة نهاد تحومي المسؤولة في مكتب الحاج عمر غندور ولم تزل، في تهدئة الفتاة وإقناعها بالعقل على تجاوز محنتها، وأعتقد انّ الفتاة البرازيلية استوعبت النصيحة.
وبذلك وفى الحاج عمر بتعهّده وبقيت الحادثة طيّ الكتمان وخارج الاهتمام الإعلامي حتى تاريخه.
وأخيراً نذكر انّ النجم الراحل بيليه الملك قدّم فانيلا النجمة التي ارتداها هدية الى لجنة تكريم الأمير فخر الدين المعني وتسلّمها السيد خليل عجرم رئيس لجنة تكريم فخر الدين.
وكما كان يقول الرئيس التاريخي لنادي النجمة عمر عبد القادر غندور انّ هدفنا لم يكن يوماً مجرد تحقيق الإنجازات الرياضية وحسب، بل الترويج لوطننا الجميل واغتنام اللحظات المناسبة لهذا الترويج كزيارة بيليه لوطننا الساحر حيث تابعتها كبريات الصحف ووسائل الإعلام في العالم، ونسأل الله أن يعيد إليه الأمان والسلام ليبقى وطناً استثنائياً كما كان على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أمين سر عام نادي النجمة سابقاً