أيمن أبو الشعر… الشيوعي وسورية والقومية الاجتماعية
} طارق الأحمد
ويحق أن تقول عنه: أيمن أبو الشِعر، ليس لأنه شاعر ككل الشعراء بل لأنّ الشعر هو ابن له، وهو أبوه..
يأخذه معه مذ كان طفلاً وينظمه لا لكي يتباهى به وفق نظرية الفن للفن، بل لكي تكون له قضية..
وهنا تجده يقول له قف، حيث سيأتي مكانك النثر وفق ما تتطلّبه القضية..
أما تغريبة أهل الشام، ديوانه الأخير، حيث يتوقف ليشرح أن الشام بالنسبة له هي سورية الطبيعيّة كلها، وهو يقصدها، ناهلاً من إرث سومر وأكاد وبابل، ومحذراً من هجوم الصحراء… متألماً من طعن القربى..
متأففاً من زيف التديّن الأعمى، وتكفير العود واللحن، حيث تمّ إقفال أبواب الإبداع والاحتفال بعقد قران المهرة مع البغل…
فأيّ صور تلك التي تصف حالنا يا أيمن..؟
فمن مغتربك الروسي تراقب دود الخلّ ولا تفتأ تأتي كل عام إلى دمشق الشام ولا تبرح مكانك، تجمع المؤمنين الحقيقيين حول شعرك ونثرك وتشير إلى الخلل وتبث الأمل..
لكنك هذي المرة تلحظ جلياً، أن الوعي تفتح ولو بعد فوات عمر الصبا…
نعم فقد أصبحنا نرى الخنادق من بعيد، متاهةً تلهّى بها جيل الخمسينيات بالتقاتل، ففات وقت كان يمكن أن نكون غير ما نحن الآن، ومع ذلك لا بأس..
هذا الشيوعيّ يزجر بالشعر المثبت لحق الأرض مستنهضاً جيناته السومرية، ويقسم بخلاياه من آشور ومن آرام، ولا ينسى يحذر من هلال جذام بني عثمان التركي..
ولا أحواض النفط وبيع الذقون…
ثم يعرّج على المسألة الكردية في سورية، غير مبتعد عن وعيه السياسي الحاضر، مخاطباً وجدانهم ليخلّصهم من أوهامهم ببساطة، ليقول: ما زلتَ حبيبي يا ألان.. مثلي أنت الآن
فلماذا ترقص وسط رهان
هل حقاً يأتي يوم فيه ستذكرني وتقاتلني
لا أقدر حتى أن أتخيّل أنك بت حليفاً للثعبان..
فامسك كفي بالكفين
لنعيد معاً حصناً عفرين
ونسمّي ساحتها الكبرى
للذكرى بسمة بيرين
لا ينسى أيمن أبو الشعر تجذير العلمانية في شعره، مؤكداً أنها ملاذ العامة وحامية الوطن والأمة وأن الطائفية هي بيع لتفاسير القرآن، لشرائع يهوة بالمجان..
فلسطين:
أكيد لا يمكن أن تغيب عن دواوينه وشعره المسكون بهمها وتعرية بائعيها، مذكّراً بفوسفور غزة، لكن الأمجاد ستبقى واضحة كرفيف طيور..
ثم يأتي «الحدث» فيذكّرني هنا بقصة قرأتها للكاتب الصديق حسن م. يوسف مع بداية الحرب على سورية، وأراد تفسير الأسباب التي دفعت كل هذه الدول لقتلها ودفنها كلها في التراب، فتروي عن عصابة دخلت قرية فاغتصبت كل نسائها إلا الحسناء الأجمل والأطهر بينهن، والتي استطاعت فوق كل ذلك أن تختبئ حتى رحيل العصابة، فما كان من النساء المغتصبات بعد ذلك إلا الانقضاض عليها وقتلها كيلا تبقى أفضل منهن…
فما هذا التخاطر بين الكاتبين؟
ثم يعود الجمال على مزاج باخوس مخموراً ولهاناً يخترع السوري الحرف الأول يتموسق سحراً ألحاناً.. كرمى لإنانا
وتأتي الخلاصة:
نداءً مستغيثاً إلى سرجون الأكادي كأول حاكم علمانيّ لسورية القديمة في الألف الثالثة قبل الميلاد والذي وحّد جميع المدن السومرية في مملكة سورية عظيمة كانت تمتدّ من الأحواز وحتى هضبة الأناضول وسواحل المتوسط إلى قبرص… فأيّ خارطة تلك التي رسمها الشاعر بأبياته يناجي سرجون، أيّ أخرجنا من بئر النفط وطوّقنا بحدائق بابل..
وانزع عنا تاريخ الهمج وثوب القاتل..
لا لن يتأنسن هذا الذئب الساكن فيهم.
لا لن يتذأبن هذا الظبي الساكن فينا.
كونوا من بطن أو فخذ أو ذيل أو جحر
عيشوا في عصر نكاح جهاد الخصر
نحن أهالي الشام الأشهى
فخراً نحن وشاح الفجر
نحن الباقون بقاء الدهر
أخيراً ومن السياسة وليس من الشعر، أتذكر لقاء موسعاً في بكين ضمّني مع وفد رسمي زار مقرّ قيادة الحزب الشيوعي الصينيّ وكنا نتحدث حول الأزمة في سورية، وحينها كان الحديث مع سكرتير العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يشرح تطوّر نهج حزبهم الحاكم من عهد ماوتسي تونغ المؤسس، الى دينغ شياوبينغ الإصلاحي الكبير وحتى تشي جين بينغ الرئيس الحالي باني النهضة الحديثة، ولاحظت تطور الوصف والخطاب وكيف تحدّث في التنمية على أساس تطوير الوطن القومي الصيني وأهمية البعد الاجتماعي لهذه التنمية لكي تشارك كل فئات الشعب بالنهضة والتنمية دون أن تتأثر أو تطغى فئة على فئة، وحين جاء دوري في الكلام، أوردت له بضعاً من أقوال ومبادئ حزبنا القومي الاجتماعي التي صاغها أنطون سعاده منذ النصف الأول للقرن العشرين، وقلت له إنني أرى أن الصين باهتمامها بالبعد القومي غدت أقرب إلى القومية الاجتماعية التي أتى بها سعاده.
وهنا بقراءتي لهذا الديوان أجد بأنّ جُلّ الأحزاب حين تقترب من الوعي المشترك، يغدو بينها شيء من التماهي والتقارب الفكري وتلمّس الحقيقة والوعي.
شكراً لك أيّها الشاعر الشيوعي السوري القومي الاجتماعي: أيمن أبو الشعر…