هل يملك خصوم حزب الله قرارهم المستقل مثله؟
ناصر قنديل
– من المتوقع أن يحاول كل فريق تصوير الموقع الذي يتموضع فيه سياسياً بصفته الأقرب للمثالية الأخلاقية، سواء في درجة الالتزام السيادي والاستقلالي أو في البعد عن الفساد أو في كونه الأبعد عن الطائفية والمذهبية، والأكثر ترفعاً عن المكاسب والمناصب، والأشد نظافة من التلوث بأوساخ الحرب الأهلية، ولذلك لا يكفي أن يقول المرء عن أن زيته ليس عكراً كي تحق له مطالبة الناس بتصديقه. فالحكم يجب أن يصدره الزيات بعد أن يدع الزيت يترسّب. وفي قضية الموقف من الاستحقاق الرئاسي في لبنان من حق الجميع وخصوصاً الخصوم، عندما يخرج أي طرف ويقول إنه يملك قراره المستقل، وإنه غير معني بما يحكى عن وحي خارجي أو تسوية خارجية أن ينظروا للكلام بعين الشك. والسؤال الذي يحق لكل اللبنانيين نيل جواب شافٍ حوله، هو أنه إذا كان صحيحا أن الاستحقاق الرئاسي سيمرّ عبر ممر خارجي، فمن هي الجهة التي يمون عليها الخارج، وهل يستوي الجميع في ذلك؟
– بالأمس، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لا تراهنوا على التسويات الخارجية فيبقى لبنان بلا رئيس، مستعيداً كلامه عن أن لا علاقة للرئاسة بمفاوضات الملف النووي الإيراني ولا بالعلاقات السعودية الإيرانية. وفي الجبهة المقابلة لحزب الله تتوجه الاتهامات للحزب وليس لحلفائه بالتبعية للقرار الإيراني، والحلفاء جميعهم محكومون بالتبعية لأن الحزب تابع وفقاً لنظرية الخصوم، وليست لهم علاقة مباشرة بإيران بل علاقة تمر عبر حزب الله، وتقوم سردية الخصوم على إثبات تبعية حزب الله على عاملين، الأول استناد الحزب تمويلاً وتسليحاً الى مقدرات إيرانية خالصة، وهائلة في آن واحد، مضيفين أن هذا لا يحدث دون مقابل، والثاني الولاء العقائدي الذي يعني حكماً الطاعة، ومعادلة الطاعة تضمن الالتزام بما تطلبه إيران، وإيران في النهاية دولة لها مصالح وحسابات، فبماذا يردّ حزب الله؟
– ردّ السيد نصرالله مراراً على هذه السردية، بالقول، أولا أنتم لم تكتشفوا من وراء ظهرنا وبأدواتكم الخاصة أن تمويلنا وتسليحنا من إيران أو أن ولاءنا العقائدي هو للولي الفقيه، فنحن نجاهر بذلك ولا يخجلنا قوله، بل نفاخر به، وسبب تفاخرنا انه لا يتعارض مع وطنيتنا واستقلالنا ومسؤولياتنا تجاه بلدنا، وأضاف مراراً أن إيران لم تطلب منا شيئاً بالمقابل، وكل ما يعنيها هو أننا كمقاومة صادقة في مواجهة كيان الاحتلال تتكفل بمنع هذا الكيان من ممارسة الغطرسة والعدوان في منطقتنا. وطالما تحدث السيد نصرالله عن أن لا حديث بين قيادة الحزب ولا تشاور لا في شأن رئاسة ولا حكومة ولا انتخابات نيابية أو تحالفات وخصومات محلية. وإذا كان الخصوم يشككون بكلام السيد، فالحكم يجب أن يكون للوقائع، فماذا تقول الوقائع؟
– للحصول على نموذج عن كيفية ممارسة التبعية ضمن التحالفات، يكفي أن ننظر لواقعة شديدة التعبير في الحياة السياسية اللبنانية، هي المسار السياسي للرئيس سعد الحريري، الذي اتخذ قراراً للخروج من الاستعصاء الرئاسي السابق بعد فراغ دام طويلاً بالدخول بما وصفه بـ التسوية الرئاسية مع التيار الوطني الحر وقبول التصويت لوصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والقرار كان نابعاً من عنده، عرضه على الحلفاء في الرياض وباريس وواشنطن، فلم ينل حماساً وتفاوتت الردود، بين هذا قرارك ولن نعارضه، أو سنحكم على النتائج، أو أنت تخوض مخاطرة وعليك تحمّل نتائجها، وبعد سنة من التسوية تماماً تم احتجاز الحريري في السعودية وأُجبر على تلاوة بيان استقالة، وكان سقف ما فعله الأميركي والفرنسي هو التوسّط لاستعادة حريته، قبل أن يعلن عزوفه عن العمل السياسي، ويسعى الثلاثي السعودي الفرنسي الأميركي لتقاسم وراثته. والرئيس الحريري أبرز وأهم وأقوى حلفاء الثلاثي السعودي الفرنسي الأميركي، وحتى اليوم لم ينل جميع من سعوا لوراثة مكانته كحليف أول، إلا بعض الدعم والمكانة التي كانت للحريري، فهل يستطيع أي منهم اليوم الزعم بأنه قادر على تكرار ما فعله الحريري وهو يعلم أن في ذلك مخاطر أن يناله ما نال الحريري؟
– بمقدار ما تقدّم لنا سيرة الحريري صورة عن حال خصوم حزب الله وعجزهم عن الاستقلال، خصوصاً في الاستحقاق الرئاسي، فهي تتيح لنا القياس بالمثل على حالة حزب الله، فغضب السعودية من حزب الله يعود أساساً لخطاب إعلامي انتقادي للسياسات السعودية، وكل ما يُساق في الحملة الإعلامية على الحزب لا يعبر عن الأسباب الفعلية للغضب. والخطاب الإعلامي للحريري تجاه إيران وسورية كان أشد قسوة من خطاب حزب الله بحق السعودية، ورغم ذلك عندما قرّر حزب الله إقامة أفضل العلاقات مع الحريري، لم يظهر أن ذلك تسبب بغضب إيران أو سورية، كما انه عندما قرر مطلع عام 2011 الاستقالة من حكومة الحريري مع حلفائه وإسقاط الحكومة خلال وجود الحريري في واشنطن، وتوسط الأتراك والقطريون على أعلى المستويات مع إيران وسورية لدفع الحزب للتراجع، لم تسفر إلا عن موعد استقبل خلاله السيد نصرالله وزيري الخارجية التركي والقطري دون أن يتغيّر القرار.
– تجربة مفاوضات الترسيم التي شهدناها قبل شهرين كانت مناسبة للتعرّف على خطاب سجالي حول القرار المستقل لحزب الله. فقال الخصوم بنبرة مرتفعة إن دخول الحزب بالمسيّرات على خط التفاوض، خدمة للموقع الإيراني التفاوضي حول الملف النووي، وردّ السيد نصرالله بلغة التحدّي، اذا نال لبنان مطالبه وفشل التفاوض حول النووي فالمقاومة ذاهبة للتهدئة، وإذا لم ينل لبنان مطالبه وتم التوصل لتفاهم نووي فالمقاومة ذاهبة للتصعيد؛ فصمتوا صمت القبور، وتمّ الترسيم ولم يتم التوصل للتفاهم النووي وذهبت المقاومة للتهدئة. ليعطونا دليلاً واحداً كي نصدّق مزاعم استقلالهم، أو دليلاً موازياً كي نشكك باستقلال حزب الله، على سبيل المثال، في ملف الفيول الذي يشكل حاجة ماسة للبنانيين في تأمين الكهرباء، أظهر حزب الله أنه رغم ظروف ايران الصعبة يمون على إيران ويلتزم عنها بهبة تبلغ نصف مليار دولار، والتزمت إيران. وعندما وصل الأمر لطلب أميركي بصرف النظر عن قبول الهبة، صمتوا صمت القبور وابتلعوا ألسنتهم، بعدما قالوا إن الهبة مجرد دعاية وشائعات. وبالمقابل لم يقم لهم الأميركي حساباً بتسهيل ما وعد بتسهيله لتمرير استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، علماً أنها مقابل قروض وليست بلا مقابل، ولم تقم لهم دول الخليج حساباً في الاستعداد لتقديم بعض ما أعلنت إيران تقديمه تلبية لطلب حزب الله.
– يحق للبنانيين أن يسألوا خصوم حزب الله، «هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين».