ماذا ينتظر فلسطين في العام الجديد؟ القدس أولاً
} سعادة مصطفى أرشيد*
تشير مجريات الأحداث إلى أنّ العام الجديد حول ماذا ينتظر الفلسطيني سيكون عاماً صعباً، على الإقليم عموماً، وعلى فلسطين خصوصاً، فالتوجهات المتطرفة وإنْ كانت متماثلة في كلّ حكومات الاحتلال، بغضّ النظر عن يمينها ويسارها، إلا أنّ الأمور سوف تأخذ أشكالاً أكثر حدة مع تسلم الحكومة الجديده مهامها، وهي الأكثر تطرفاً وتلمودية في تاريخ (إسرائيل) القصير، وبما تحوي داخلها من مكونات دينية وعنصرية ذات نهج صريح أعلنته في برامجها وأدائها.
منذ فجر اليوم الأول مطلع العام الحالي، شنّت الحكومة وجيشها حملة اعتقالات واسعة على طول الضفة الغربية وعرضها، واجتاحت مدينة نابلس لاعتقال مقاومين، وفي ثاني أيام السنة اجتاحت جنين وقراها، بهدف هدم بيوت مقاومين، وقتلت أثناء ذلك شابّين وجرحت آخرين، منهم ما زال في العناية الطبية المكثّفة لخطورة إصابته.
وزارة الأمن الداخلي أصبحت بعد أن تسلّمها المتطرف بن غفير وزارة الأمن القومي، التي ستكون مسؤولة عن الأمن والشرطة، وعن مناطق الضفة الغربية، ومسؤولة عن إدارة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وإدارة الاشتباك مع غزة، وذلك بعد أن بقيت إدارة هذه الملفات منذ عام 1967، بيد وزارة الدفاع والجيش التي لديهما قدر من الحرفية يفتقد إليها الوزير الجديد.
ما تقدّم يذهب إلى أنّ ملفات عديدة ستكون على قدر كبير من السخونة، أوّلها ملف القدس والأماكن الدينية المقدسة. وهذا الملف كان له دور رئيس في حشد الأصوات الانتخابية لصالح بن غفير، الذي رفع شعار تهويد المدينة والاستيلاء على المسجد الأقصى وباحته، باعتباره جبل الهيكل المزعوم الذي يسعى بن غفير وعدد من الجمعيات التلمودية لإعادة بنائه، حيث أعلن بن غفير مساء الإثنين الماضي عن أنه سيدخل المسجد الأقصى للصلاة ومعه جموع غفيرة من جمهوره المتطرف، وبحماية الشرطة التي أصبحت تأتمر بأمره، لكنه ما لبث أن ادّعى أنه تراجع في اليوم التالي، وأجّل دخوله لفترة يقول إنها قصيرة، وذلك استجابة لضرورات سياسية أقنعه بها رئيس الحكومة، وذات علاقة بإعلان التطبيع مع السعودية في القريب.
برنامج بن غفير يقضي بالاستيلاء أولاً على جزء من الحوض المقدس، الذي يشمل المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة والباحة المحيطة بهما، وتقسيم السيادة مكانياً وزمانياً بين الفلسطينيين واليهود، أما في المرحلة الثانية فهو يريد كامل المكان، الجزء الأول من مخططه يفترض به أنه سوف يدفع الأوضاع نحو تأزم على أكثر من صعيد، بدءاً من الأردن الذي تحدث بلهجة حادة لم يسمعها أحد منذ ثلاثة عقود ومن الملك مباشرة، كما تهديدات حماس من غزة بردود قاسية، وهي التي أقامت مصداقيتها على قاعدة الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى منذ حرب سيف القدس.
زيارة بن غفير تثير مشاعر المسلمين عبر العالم، ويفترض بها أن تحرك جموعاً كالتي رأيناها في البحرين مؤخراً، وما ورد على ألسنة من تحدّثوا للإعلام من عامة الناس في قطر أثناء مونديال كرة القدم، والأخطر هو تحرك الشارع الفلسطيني ككتلة واحدة من الجليل إلى النقب، والزحف كما في رمضان قبل الماضي للقدس وللمرابطة في المسجد الأقصى لحمايته، مع الاستعداد للاشتباك مع المعتدين، سواء كانوا من المستوطنين أو من أجهزة الدولة التي سوف تتحرك لتنفيذ قرارات حكومية.
ظنّ الناس أنّ هذه الزيارة قد أصبحت مؤجلة، لكن بن غفير غافل الجميع بقيامه بالدخول للمسجد الأقصى صبيحة الثلاثاء، وأخذ الصور مبتسماً مزهواً، مكتب رئيس الحكومة علق على الزيارة بأنها طبيعية وشرعية ولا يوجد فيها ما هو استثنائي، فمن حق بن غفير أن يزور المكان الذي طالما زاره الوزراء في حكومات (إسرائيل) المتعاقبة والزيارة كانت قصيرة لثلاث عشرة دقيقه فقط ولم يقم بن غفير اية صلوات او شعائر دينية، وبشكل موارب غامزاً أشار في التعليق إلى أنّ الزيارة رداً على تهديدات لا تخيف الحكومة، الأمر الذي أوضحه صحافيون ورجال رأي مقرّبون من الحكومة: أنّ الزيارة ليست رداً على تهديدات حماس فقط، وإنما الملك عبد الله الثاني أيضاً، وأن على عمان ورام الله أن تدركا بأن الوضع السابق (ستاتيكو) ليس مقدساً.
أراد بن غفير من دخوله للمسجد الأقصى أولاً أن يؤكد تهديداته وأنه يطبّق بالفعل ما يقول وثانياً إجراء اختبار (pilot) لفحص ردود الفعل الفلسطينية على مواقعها في الضفة وغزة ومناطق 1948 ثم العربية وتحديداً الأردنية في خطوة أولى لطرد الأوقاف الأردنية من المكان تمهيداً لنزع الوصاية الهاشمية على المكان المقدس.
أصدرت حكومات العرب والمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها بيانات الإدانة والاستنكار، فيما ابتلعت الأطراف التي أطلقت التهديدات ألسنتها، ولعلّ من أكثر الردود جدية على الزيارة، هي رسالة التأنيب التي أرسلها الحاخام السفاردي الأكبر، والذي يعتبر المرجعية الدينية لبن غفير ويطالبه بعدم تكرارها، بالطبع بانتظار ظهور المسيح المخلص، قد يكون من المبكر الحكم على ردود الأفعال وجديتها، ولكن المتوقع أن تكون أكثرها جدية هي الردود الشعبية الفلسطينية غير المرتبطة بجهات سياسية وإقليمية.
عام 1969 أحرق متطرّف يهودي المسجد الأقصى وأتت النار على بعض معالمه منها منبر صلاح الدين الأيوبي، تقول غولدا مئير رئيسة الوزراء في حينه: لم أنم تلك الليلة وكنت اعتقد أن من أحرق المسجد الأقصى سيتسبب في إحراق (إسرائيل)، وكنت افترض أننا سنجد في صباح اليوم التالي الملايين يزحفون علينا من عالم العرب والمسلمين. في الصباح عرفت كم كنت مبالغة فالردود اقتصرت على البيانات.
خمس مسائل تمّ ترحيل بحثها في اتفاق أوسلو 1993، وهي القدس والمستوطنات واللاجئون والحدود والمياه، هذا العام سيكون حاسماً لجهة فرض الرؤيا الإسرائيلية التلمودية على القدس، وربما على المسائل الأربع الأخرى، تعتمد (إسرائيل) على قوّتها على الأرض وعلى تخاذل من يكتفون بإصدار بيانات التنديد والإدانة، والذين يطالبون المجتمع الدولي بأن يقف عند مسؤولياته، فيما لا يقفون هم عند واجباتهم ومسؤولياتهم.
*كاتب وسياسي فلسطيني الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.