الحروب على سورية بعناوين شتى
د. هاني سليمان*
منذ مؤامرة سايكس بيكو 1916 وتقسيم وتوزيع المنطقة بين قوى الاستعمار المنتصرة في العالمية الأولى، شهدت سورية حرباً مفتوحة عليها، لا لسياساتها فحسب بل لموقعها الجيوستراتيجي في منطقتنا.
وقد جاء وعد بلفور 1917 بإعطاء فلسطين للحركة الصهيونية كفعل استمرار لتلك المؤامرة المشؤومة، فكان نصيب سورية منها كبيراً.
لم يكن وعد بلفور مخطوطة ورقية فحسب، ولم يكن اتفاقاً بين قوى متكافئة، بل جاء انعكاساً لموازين القوى في العالم، حيث المنتصر يفرض شروطه ويرسم استراتيجيته، ويضع موضع التنفيذ تصوّراته لصيرورة منطقتنا تحت سيطرته الفعلية.
وما أثبتته الأيام والوقائع انّ التحالف الغربي الصهيوني قد نجح الى حدّ كبير في مواضيع عديدة أهمّها:
1 – تجزئة المنطقة.
2 – تكريس الكيان الصهيوني.
3 – ديمومة الآثار المدمّرة على المنطقة حتى أيامنا هذه.
وقد جاءت الحرب على سورية سنة 1967 ليحتلّ العدو الإسرائيلي الجولان العزيز علّ باحتلاله أرضها ما يدفعها لرفع الراية البيضاء.
رغم كلّ ذلك ما هانت قلب العروبة ولا استكانت، والتاريخ شاهد، ومن قلب هذه التحديات امتشقت سورية سلاح الإرادة، وبيدها الجريحة زرعت العلم السوري في هضبة الجولان المحتلّ سنة 1973، لكن رياح الصفقات المسبقة مع هنري كيسنجر حالت دون بقاء هذا العلم مرفرفاً في أعالي الجولان.
وتقول الوقائع وهي صادقة ناطقة، انّ هذه الحرب كادت ان تلغي مفاعيل الحروب السابقة عليها، لما أحدثته من صدمات وأزمات لقادة الكيان السياسيين والعسكريين لو انّ رئيس مصر أنور السادات استمرّ بهذه الحرب لفترة أطول ولم يوافق على وقف إطلاق النار في ذلك اليوم المشؤوم من تاريخ أمتنا.
انّ مفخرة تشرين 1973 في الجولان مترافقة مع الدور العظيم لجيش مصر العظيم في عبور قناة السويس قد فتحت عيون الغرب مجدّداً على موقع سورية فأدركت انّ سورية لا يمكن أن تؤخذ بالترهيب بتسوية تنال فيها جوائز ترضية من هنا ومن هناك، لكن عين الغرب كانت على الجائزة الكبرى المتمثلة بدفعها الى الاعتراف بالكيان الصهيوني.
يومها قال الرئيس حافظ الأسد لوزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت التي كانت بضيافته سنة 1988 «لو وافقت على شروط أميركا لقتلني النادل الذي يقدّم لنا الطعام الآن» (من مذكرات الدكتورة بثينة شعبان).
لم تيأس الإدارة الأميركية من محاولات استمالة سورية وترويضها وإغرائها بسمن السلام وعسله مع الكيان الصهيوني، فكان الإيعاز لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان سنة 2008 بجسّ نبض سورية في محاولة أخيرة مع الرئيس بشار الأسد.
يومها كتبت مقالة في جريدة «النهار» بعنوان «لماذا الاستعجال» مفادها (انه من المبكر لا بل من المستبعد ان تحصل اية تسوية مع الكيان الصهيوني في الظروف الراهنة وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة سورية وتاريخها ودورها، ولأسباب أخرى تتعلق بطبيعة الكيان الصهيوني ومفهوم نتنياهو للسلام، خاصة بعد المرارات التي شهدناها بعد اتفاقية أوسلو.
وكما يقول محمد حسنين هيكل «لا حرب من دون مصر ولا سلم من دون سورية»، فقد أدركت أميركا والقوى الغربية أنه لا بدّ من التعاطي معها بطريقة أخرى.
اذا كان الاحتلال لم ينفع، وإذا كانت الحروب لإضعافها لم تحقق أهدافها، وإذا كانت الإغراءات وجوائز الترضية لم تُسلْ لعابها ولم تصرفها عمّا شبّت عليه، فلا بدّ من طريقة أخرى تتمثل بإنهاكها من الداخل وتجعل من شبابها كهولة عاجرة يأكلها الشيب يوماً بعد يوم.
وكانت الأحداث الأخيرة سنة 2011 حرباً رابعة بامتياز.
هي من أذكى الحروب وأكثرها خبثاً وأفعلها مراماً وأطولها آثاراً مدمرة، ولسان حالهم يقول:
ـ إذا لم تأخذوا سورية من الخارج فخذوها من الداخل.
ـ إذا لم ينجح الترهيب فخذوها بالتحريض.
ـ إذا فشلت آلاف الوسائل الإعلامية ومنصات التواصل فمليارات الدولارات جاهزة.
ـ إذا فشل السفراء والقناصل وغرف العمليات المشتركة (غرباً وعرباً) فليدم الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سورية والاحتلال التركي في شمالها، والتكفير في شمال شرقها.
ـ النفط ممنوع على السوري وهو للأميركي مباح.
ـ القمح والماء والكهرباء بديلها جوع وجفاف وعتمة.
هل نجحت المؤامرة بتمزيق سورية كما نجحت في العراق واليمن والسودان وليبيا.
نعم نجحت مؤقتاً.
هل فشلت أنظمة هذه البلدان في إغلاق الطاقة التي تأتي منها رياح التغيير الديمقراطي كما رياح عواصف المؤامرات.
نعم فشلت مؤقتاً.
هل أدرك أصحاب النوايا الحسنة، والمغرّر بهم انّ ما جرى لسورية وفيها لم يكن إلا عناوين لإضعافها وإلغاء دورها التاريخي تحت شعارات براقة، كشفت زيفها الأحداث والوقائع.
أليس الحصار السياسي والاقتصادي والمالي المضروب على لبنان امتداداً لقانون «قيصر» بعنوان سوري.
قدر لبنان وسورية أن يكونا معاً في السراء والضراء.
والتضامن مع سورية لرفع الحيف عنها هو نضال مشترك في ساحة واحدة في منطقتنا العربية.
*عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي سابقاً، منسق المبادرة الوطنية لكسر غزة