فشل مجلسي النواب من واشنطن إلى بيروت
ناصر قنديل
ــ ليس هناك بين النواب الأميركيين أعضاء ينتمون إلى حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر الذين اتهمتهم لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي بتعطيل العملية الديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية بما وصفته ذرائع الحقوق الديمقراطية، ولا بين النواب مَن ينتظرون وحياً خارجياً يربطون به تسمية الرئيس العتيد كحال كتل نيابية لبنانية تعلمت الدرس من تجربة الرئيس سعد الحريري عندما اعتقد أنه يستطيع التصرف من موقع لبناني صرف في مقاربة الرئاسة لينال عقاباً وصل في النهاية إلى قرار بالإعدام السياسي وإخراجه من المسرح.
ــ بالتأكيد لدى لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونغرس الأميركي وسواها من الهيئات الأميركية القيادية قراءة أخرى لتفسير أسباب تعثر مجلس النواب الأميركي في انتخاب رئيس جديد، كان يُفترض أنه يكون سهلاً ومحسوماً، انطلاقاً من أن العُرف الديمقراطي الأميركي، لا يلحظ تنافس أسماء على شغل المنصب، حيث يكون زعيم الكتلة النيابية للحزب الفائز بالأغلبية في مجلس النواب هو المرشح الطبيعي لرئاسة المجلس، ويكون التصويت إجراء روتينياً تدوينياً لإثبات نيله أغلبية الأصوات المطلقة في المجلس، أي النصف زائداً واحداً، بعكس انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان حيث هناك نصاب الثلثين الإلزامي لعقد جلسة الانتخاب وتصويت النصف زائداً واحداً للفوز كحد أدنى، والتسميات مفتوحة من داخل المجلس وخارجه دون إلزامية إعلان المرشح ترشيح نفسه أو قيام أحد بترشيحه.
ــ الشبه الوحيد بين ما يشهده مجلس النواب الأميركي وما يشهده مجلس النواب اللبناني، وهو شبه عميق وليس سطحياً، هو أن في البلدين أزمة عميقة وبنيوية أكبر من أزمة نظام وحكم، ولذلك عند العودة للتاريخ الأميركي يستدلّ المؤرخون على محطات مشابهة للإشارة الى محطات الأزمات الوطنية الكبرى التي عرفتها أميركا، والتحولات الكبرى التي أدت إلى تجاوزها. وهذا معنى أن آخر مرة فشل فيها مجلس النواب في انتخاب رئيس كانت عام 1923، عندما فشل مرشح الحزب الجمهوري فريديريك جيليت بنيل الأغلبية اللازمة رغم عدة جولات انتخابية ليفوز في الجولة التاسعة بعد تسوية تمّت بين قيادة الحزب والتيار الإصلاحي التقدمي في الحزب أفضت بتبني مطالب الإصلاحيين في برنامج عمل الحزب البرلماني. وفي الأزمة الحالية يبدو الأمر أشد تعقيداً، فكما تقول الكواليس لن يفرج النواب الجمهوريون المعترضون على انتخاب كيفن مكارثي عن أصواتهم إلا بعد نيل التزام من قيادة الحزب بتوفير الحماية اللازمة للرئيس السابق دونالد ترامب من الملاحقة القانونية التي تنتظره بتهم جزائية متفرعة من اقتحام مبنى المجلس قبل عامين، خصوصاً ما يتصل بترشيح ترامب للرئاسة واحتمال حرمانه من هذا الحق.
ــ الاحتمالات التي يفتحها المأزق الحالي كثيرة ومن المتداول منها، احتمال تفاهم النواب الديمقراطيين مع الأقلية الإصلاحية المعتدلة في الحزب الجمهوري لتشكيل أغلبية تحمل الى رئاسة مجلس النواب شخصية جمهورية معتدلة، وقريبة من الديمقراطيين، أو استعانة مكارثي الجمهوري بعدة أصوات من النواب المحافظين في الحزب الديمقراطي لتأمين الأغلبية. وكل من الاحتمالين أو احتمال تراجع القيادة الجمهورية أمام المتمرّدين المدعومين من ترامب، فنحن أمام عمليّة خلط أوراق غير تقليدية بمثابة فكّ وتركيب للمشهد السياسي على إيقاع الاعتراف بأزمة غير تقليدية.
ــ المدخل الذي سوف يقرّر فوز أيٍّ من الاحتمالات، هو الحوار الذي يجري بين قادة الكتل الرئيسية والتيارات داخل هذه الكتل بصغيرها وكبيرها، وصولاً لترجيح خيار على آخر. فالحوار كطريق للتوافق يبقى الطريق الوحيد المتاح، عسى أن يتعظ بعض اللبنانيين الذين لا يتخذون المثل إلا من سابقة أميركيّة.