لبنان في الظلام الدامس… أيّ جريمة تُرتكب بحقّ اللبنانيين؟
} حسن حردان
يُقاس نجاح الدول والمسؤولين فيها بمدى تحقيقهم الاحتياجات الأساسية لشعبهم، وتطوير بلدهم ونقله إلى مستوى أكثر حضارة وتقدّماً… وبقدر ما يتمكنوا من إنجاز خطوة أو خطوات في هذا المضمار يسجل في تاريخهم ويحتلون مكانة متقدمة لدى شعبهم… ومن أهمّ الاحتياجات التي يجب تأمينها الكهرباء التي باتت بمثابة الدم الذي يسري في كلّ مناحي الحياة الإنسانية والاقتصادية… فمن دون الكهرباء لا يمكن أنّ النهوض بالاقتصاد الصناعي والزراعي وخفض كلفة الإنتاج، ومن دون كهرباء لا يمكن إنارة المدن والقرى والمحلات، ولا يمكن للمواطنين حفظ غذائهم ولا إضاءة منازلهم أو اتقاء حر الصيف أو برد الشتاء.. ولهذا كانت أهمّ أولوية وضعها قائد الثورة الروسية فلاديمير لينين، اثر انتصارها عام 1917، كانت كهربة روسيا… وفي هذه الأيام نلمس مدى أهمية توفير الغاز لمعامل إنتاج الكهرباء في أوروبا، وسعي حكوماتها ليل نهار لتأمين الطاقة عبر إيجاد بدائل عن الغاز الروسي بعد وقف استيراده في سياق العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها على روسيا.
لكن من الصعب أن تجد دولة في العالم لا تعطي الأولوية لتوفير الكهرباء لمواطنيها، إلا لبنان الذي يغرق في الظلام، ويعاني الناس والاقتصاد من جراء ذلك.. والكارثة أنّ هذا الظلام يحصل نتيجة تقاعس المسؤولين عن توفير المال لشراء الوقود وبالتالي تمكين مؤسسة الكهرباء من تأمين التيار للمواطنين واستطراداً جباية الضريبة التي تؤمّن لها القدرة المالية لاستمرار شراء الوقود لإدامة تشغيل معامل الكهرباء.. وأكثر من ذلك فإنّ المسؤولين يرفضون قبول هبات الفيول من روسيا وإيران التي تؤمّن تشغيل المعامل لأكثر من ستة أشهر كافية لتمكين مؤسسة الكهرباء من الوقوف على قدميها وتحقيق الدورة المالية التي توفر لها من شراء الوقود دون الحاجة إلى طلب سلفات خزينة.. والأنكى أنّ الامتناع عن قبول هذه الهبات، غير المشروطة، يتمّ بسبب الفيتو الأميركي، والخوف من العقوبات الأميركية، في حين من المعروف انّ الهبات لا تطالها العقوبات السيئة الذكر…
مع ذلك فإنه بعد اتفاق المسؤولين على توفير سلفة خزينة لشراء الفيول، تمّ استقدام البواخر المحملة بهذه المادة لتأمين عدة ساعات من الكهرباء، ورست البواخر على الشاطئ، وضعت العصي في دواليب تأمين الأموال اللازمة، وبات المسؤولون يتبادلون الاتهامات بالمسؤولية عن السبب في عدم صرف الأموال، مرة بالقول إنّ الأمر يحتاج إلى اجتماع للحكومة، ومرة بالقول إنّ الأمر لا يحتاج إلى اجتماع للحكومة ويكفي توقيع مرسوم من قبل الجهات المعنية كما تمّ الاتفاق.. والنتيجة غرامة يومية تقدّر بنحو 50 ألف دولار تدفع يومياً للبواخر المنتظرة على الشاطئ لتفريغ حمولتها.. واستمرار العتمة ومعاناة المواطنين، والصناعيين والمزارعين من ارتفاع كلفة المولدات والإنتاج، والتهاب أجور النقل وأسعار المواد الغذائية…!
انها جريمة ترتكب بحق جميع اللبنانيين، الذين لا يعنيهم السبب الذي يمنع صرف المال لإفراغ البواخر، أو عدم قبول الهبات المجانية غير المشروطة، لأنّ وظيفة المسؤولين بالحدّ الأدنى إنما هي توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وفي مقدمها التيار الكهربائي، وعدم إدخال قضايا وحاجات الناس الأساسية في إطار الصراعات أو المناكفات السياسية..
فهل يتوقف المسؤولون عن استخدام حاجة الناس الماسة للكهرباء، في الصراع السياسي، ووضع حدّ للنزف الحاصل في المال العام نتيجة عدم صرف الأموال اللازمة لإفراغ حمولة البواخر من الوقود، وبالتالي التخفيف من معاناة المواطنين الذين يتحمّلون عبء ارتفاع فواتير المولدات، في وقت تنهار فيه قدرتهم الشرائية بفعل تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار على نحو جعل الفئات الوسطى والصغرى والمحدودة الدخل غير قادرة على تحمّل تكاليف المعيشة التي تزداد ارتفاعاً يومياً مع كلّ يوم يصعد فيه سعر الدولار في السوق السوداء..