ماكرون وسياسة درجات الحرارة المتدنية
} ميرنا لحود
بعد حزمة العقوبات الأوروبية على روسيا وتضرر الاتحاد الأوروبي بدلاً من موسكو ينتقل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبسبب التراجع السريع لدرجات الحرارة، إلى خطة بديلة علَّها تأتي بنتائج أنجع لبلاده في مجال الطاقة. ولا بدّ من التذكير بأنَّ فرنسا كانت في طليعة البلدان في مجال الطاقة إنتاجاً وتصديراً. وها هي اليوم تخضع لابتزازات أميركية أطلسية صرفة. ومع هبوط درجات الحرارة، بدأ ماكرون ينظر إلى فنزويلا أكثر فأكثر متناسياً اتهاماته بالدكتاتورية للرئيس نيقولاس مادورو فور وصول «الرئيس الشاب» إلى سدة الرئاسة الفرنسية عام ٢٠١٧. ففي شهر آب من العام نفسه أي بعد أشهر قليلة من استلامه مقاليد الحكم انضمّ إيمانويل ماكرون إلى معسكر أميركا في دعم عملية انقلابٍ على الرئيس المنتخب نيقولاس مادورو («لو بوان» 17 آب 2017)، ومن ثم اتهام الأخير بالدكتاتور، ذاهباً بتأييد خوان غوايدو المعارض الفائز في رئاسة البرلمان الفنزويلي والذي أعلن ونصّب نفسه «الرئيس المسؤول»، رغم اصطفاف خمسين دولة وراء أميركا لحشد التأييد المطلق لخوان غوايدو لم يمرّ «التطبع والتطويع» في بلاد نيقولاس مادورو الذي اختاره الشعب الفنزويلي في عملية اقتراع شعبية واسعة. وفي عام ٢٠٢٠ خسارة «الرئيس الممثل» والمتمثل بغوايدو لصالح لويس بارا منافسه على رئاسة البرلمان أسقطت فكرة الانقلاب على سلطة مادورو ومعها الحجة الدستورية لصالح غويدو. لكن ذلك لم يمنع ماكرون من استقبال غوايدو في قصر الإليزيه وتأكيد الدعم للأخير.
ومع تدني درجات الحرارة وابتداء القارة العجوز بالارتجاف من البرد، بدأ ماكرون باستدارة نحو نظيره الفنزويلي متناسياً «دروس الاتهامات» التي أطلقها ضدّ الأخير في الدِكتاتورية وما شاكل. وتأتي تلك التحركات مع ارتفاع أسعار الطاقة ورفض أوروبا للغاز الروسي علماً أنَّ روسيا هي ثاني بلد في تصدير الغاز عالمياً. ففنزويلا بدورها تمتلك احتياطياً لا بأس به، ما دفع بالرئيس الفرنسي إلى استدارة سريعة يرافقها الاهتمام والتملق حيال مادورو. ففي ٧ نوفمبر ٢٠٢٢ لم يتردد ماكرون بلفظ كلمة « الرئيس» مخاطباً نظيره الفنزويلي خلال اللقاء الذي جمعهما في مؤتمر تغيير المناخ في شرم الشيخ. إنَّ مناخ السياسة يتغير ويتبدل مثل تبدل الطقس خاصةً لدى ماكرون.
وإذا تجرأت فرنسا على التحدث مع الذي كان في الأمس القريب «دِكتاتورياً» فهذا لأنَّ الأميركي قد ذهب إلى كاراكاس قبل أشهرٍ أيّ في الثامن من آذار ٢٠٢٢ بعد فرض الحظر والحصار على النفط الروسي. وإنْ كانت العلاقات بين الغرب وفنزويلا تحكمها سابقاً لغة تحت مسمّيات وشعارات «الديمقراطية» فها هي اليوم تخضع لميزان الحرارة. إنهَّا بداية في الحلقة الفنزويلية الغربية. وما يؤكد على ذلك هو مبادرة ماكرون في مؤتمر الدول الكبرى السبع الذي انعقد في حزيران ٢٠٢٢ الذي اعتبر فيه أنَّه «لا بدّ من إعادة القدرة للبترول الفنزويلي إلى الأسواق».
في الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي التي استمرّت ثلاثة أيام إلى الولايات المتحدة كان الهدف منها في أحسن الأحوال: تحسين شعبيته المتدهورة. وعلقت إحدى القنوات والتي في غالبيتها هي «ناطقة باسم ولحساب الحكومة» «بأنَّ هذه الزيارة للرئيس الفرنسي والتي التقى فيها «صديقه» بايدن لا تدرّ بأية منفعة على فرنسا ولا على الشعب فهي فقط تصبّ في منفعة ماكرون بمحاولة منه لرفع صورته «بدرجات» نحو «المقبول». «فالأمير أو بالأحرى «فتى الدولة» (كما يلقب في الوسط الفرنسي) هو على عرش مملكة الفراغ».
لم تنفع محاولات ماكرون في التأثير لا على الداخل الفرنسي ولا على الخارج لذا فهو مستمرٌ بسياسة الخوف والتخويف من فيروس كورونا ومتغيّراته لأنَّه بالخوف الثمار تُقطف بطريقة أسرع. وفي ظل فشل سياسة الضغوطات الغبية والعقوبات على روسيا والتي تلعب فيها فرنسا دور رأس الحربة إضافةً إلى صدور أحكام بعض القضايا في ملفات تتعلق بأزمة كورونا والكذب الذي اعتمدته حكومات ماكرون سواء كان في منع الأدوية المؤكد منها للعلاج وفرض اللقاحات دون التحقق من فعاليتها علاوة على ذلك ملفات فضائح تتعلق بشخصية ماكرون والتلاعب والاحتيال على حساب الشعب الفرنسي، لذا لم يبقَ «لـفتى الدولة» إلا اللجوء إلى سياسة الخوف والتخويف ولغة الحرب « نحن في حرب « سواء كان من الفيروس أو في ما يتعلق بالطاقة. فأقواله تثير الريبة. وهو يجسد «نظرية التناقض» (La Tribune). فعلى سبيل المثال ولا الحصر في العام الماضي تجرأ ماكرون قول عبارة لا تقل حشمة من غيرها في عباراته وهو رئيس جمهورية فرنسا. لم تصل يوماً تصريحات رئيس الجمهورية ومباشرة إلى هذه الدرجة: « لغير الملّقحين لدي رغبة بإغضابهم وستستمر حتى النهاية، هذه هي الاستراتيجية».
صحة ماكرون الذهنية تُثير التوتر
يتساءل عددٌ من السياسيين عن حالة ماكرون الذهنية. إنَّ تصرفاته وتصريحاته تثير قلقاً كبيراً ومحقاً بعيداً عن الإعلام الناطق باسمه. فمن على متن الطائرة أثناء عودته من الولايات المتحدة صَّرح الرئيس الفرنسي بأنه « منذ أسبوعين عانيت من انهيارٍ عصبي خطير. فقد قمت بعمل الوزراء كافة وكذلك عمل رئيسة الوزراء».
جاء تعليق فرنسوا أسولينو الذي ترشح لرئاسة الجمهورية بأنَّه إذا هذا الكلام صحيحاً لا بدَّ من اتِّخاذ إجراءات سريعة وحاسمة. أولاً لأن هكذا تصريحاً يعكس أزمة سياسية عميقة وهي واضحة للجميع. ماكرون يقوم بسياسة تدميرية للبلد وإذا كان يعاني من مشكلة صحية ذهنية فهو يمتلك شِفرة إطلاق السلاح النووي. هذا خطيرٌ جداً. إضافةً إلى أنَّ الرئيس انتُخب لإدارة البلاد ولا لأن يحلَّ مكان الوزراء أو رئيس الوزراء لأنه ببساطة غير دستوري. لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن تصرّفات ماكرون في المونديال والصور التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الواضح أنَّ ماكرون يعاني من مشكلة نفسانية.
من نجح في سياسة بلاده الداخلية قد يكون له رأي محترم في السياسة الخارجية إنما الذي ينفذ سياسة الهدم في الصحة والمستشفيات بشكل خاص والاقتصاد ولا يستطيع حلّ مشكلة الطاقة في بلده بل يدمّرها والبرهان ما يحصل في شركة كهرباء فرنسا والتصريحات الأخيرة للذين تعاقبوا على إدارة EDF فرنسا دليل قاطع بأنَّ سياسة الهدم متعمّدة وبلغت أوْجها إبان حكم ماكرون.
فهل يستطيع ماكرون أن يقدّم للخارج ما لم يستطع أنْ يقدّمه لبلاده؟