«استبشروا» أيها اللبنانيون… نظامكم الطائفي والمذهبي يجدّد شبابه
} أحمد بهجة*
لا يزال المواطن اللبناني هو الضحية. هذا ما تثبته كلّ الأحداث والوقائع على أرض الواقع، ولا يزال هناك مَن يستغلّ الضحية ليحقق مصالحه السياسية الضيّقة، رغم كلّ المآسي التي مرّت وتمرّ على هذا البلد المنكوب بنظام طائفي ومذهبي لم يعد جائزاً استمراره بأيّ شكل من الأشكال.
هذا النظام الذي يقول عنه البعض إنه عفِن نراه في مفاصل كثيرة يجدّد شبابه ويملاً خزاناته بالمزيد من الحقد والكراهية ويعود ليضرب من جديد غير عابئ بما يمكن أن يخلّفه من كوارث على المستوى الوطني العام.
وقد زاد الطين بلة بعض الإعلام الذي يخالف الرسالة السامية وينزلق إلى ممارسة التحريض وإظهار كلّ مَن يتطاول على الآخرين ويهين الكرامات وما إلى هنالك من أمور شائنة، فضلاً عن بذل الجهد الكبير للتعمية على الرأي الآخر، وذلك كله مدفوع الأجر طبعاً، بدلاً من أن يكون دور الإعلام هو نقل الحقيقة وليس أكثر من الحقيقة، وبعدها يُترَك للمتلقّي أن يحدّد موقفه بناء على هذه الحقيقة.
هذا الأمر لا يحصل فقط في السياسة، بل يُستخدم أيضاً في المواضيع القضائية والاقتصادية والمالية، حيث تسود التعمية على الحقائق والقيام بممارسات أقلّ ما يُقال فيها إنها مخالفة للقوانين، وإذا حاول القضاء لعب دوره كما يجب تقوم القيامة ولا تقعد للضغط طائفياً ومذهبياً وإعلامياً وسياسياً، في حين أنّ هؤلاء يكرّرون ليل نهار المعزوفة الشهيرة عن «استقلالية القضاء»!
لنأخذ مثلاً كيف يتعاطى معظم الإعلام الخاص في لبنان مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث لا ينقص مقدّمي البرامج، أو معظمهم، ومعهم العدد الأكبر من الضيوف، إلا أن يطرحوا ترشيحه لرئاسة الجمهورية، ومنهم مَن فعل ذلك بالفعل!
طبعاً يتشارك مع هؤلاء نسبة لا يُستهان بها من السياسيين الذين يُحيّدون «الحاكم» دائماً عن أيّ حديث يدور معهم عن الفساد والمفسدين، إلى درجة يصحّ فيها قول أحدهم «إنّ الحاكم هو الشخص الوحيد ربما الذي يمكنه الحصول على نصاب الثلثين»!
وإذا كان ترشيحه لرئاسة الجمهورية يرِد على سبيل المزاح، فإنّ هناك مَن بدأ يتحدث منذ اليوم عن ضرورة التمديد له في حاكمية المصرف المركزي، خاصة إذا استمرّ الفراغ في سدة الرئاسة ولم تتشكل حكومة جديدة تكون قادرة على تعيين البديل حين تنتهي ولايته في أواخر شهر حزيران المقبل.
ومَن يطرح التمديد هنا يُتبعه بما يُسمّيه أسباباً موجبة، لأنّ الفراغ في منصب «الحاكم» (الماروني) يعني أنّ نائبه (الشيعي) سوف يتولى دفة القيادة، وهذا ما لا يحبّذه المسيحيون الذين لم يهضموا بعد أنّ رئيس الحكومة (السني) هو الشخص الأول اليوم في السلطة التنفيذية في ظلّ عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، علماً أنّ الدستور ينص على أنّ الصلاحيات تنتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، لكن هذا لا يلغي الحساسية الناتجة عن بعض الممارسات التي تعطي هذا النص الدستوري تفسيرات مختلفة.
وهذا بالضبط هو ما فرض القول في بداية المقال إنّ النظام الطائفي المذهبي يجدّد شبابه ويضرب من جديد، والضربة هذه المرة ستكون قاسية جداً إذا حصل فعلاً التمديد لـ «الحاكم»، مع أنّ هناك وقائع كثيرة تفيد باستبعاد هذا الخيار، خاصة أنّ الناس لا تستسيغ هذه السيناريوات السمجة التي تذكرهم بمقولة «إنّ الليرة بخير»، التي أدّت كثرة استعمالها والترويج لها إلى أن لا يبقى في أيدي الناس لا «فريش دولار» ولا «فريش ليرة»…
على أنّ التفسير الأكثر منطقية لما أدّت إليه أحداث الأيام الأخيرة، وخاصة على الصعيد القضائي ثم الإعلامي، هو أنّ «الحاكم» استفاد من الأجواء المشحونة ليسرّب عبر الإعلام أنه لن يمثُل أمام الوفد القضائي الأوروبي الذي أتى إلى لبنان من ثلاث دول هي ألمانيا وفرنسا ولوكمسبورغ، ويُفترض أن يكتمل عداده اليوم، في مهمة محدّدة وهي متابعة التحقيقات التي بدأت في عدة دول أوروبية بشأن تجاوزات مالية قام بها «الحاكم» نفسه وبعض صحبه من رؤساء مجالس ومدراء مصارف لبنانية وعدد من الموظفين الرفيعي المستوى في مصرف لبنان.
هذه المهمة يتمّ تنسيقها مع المرجعيات القضائية المختصة في لبنان، وفق ما تنص عليه الاتفاقية الدولية التي وقع عليها لبنان عام 2008، وعلى الجميع التجاوب مع كلّ طلبات الوفد التي تنسجم مع نصوص الاتفاقية، مع التأكيد على رفض الخروج عنها بأيّ تفصيل، لكن النتائج في لبنان غير مضمونة لأننا تعوّدنا أن نأخذ كلّ الأمور إلى السياسة، وهنا مكمن الخلل الأساسي حيث يستطيع أيّ كان التلطي خلف زعيمه أو مرجعيته الطائفية لتضع حوله خطاً أحمر يمنع مساءلته ومحاسبته…!
*خبير اقتصادي ومالي