اليمن: فرصة السعودية للخروج من الورطة
ناصر قنديل
– تتزاحم الإشارات التي تشير إلى أن القيادة السعودية تعيد رسم سياساتها في العالم والمنطقة بطريقة مختلفة عن الماضي، خصوصاً لجهة الجرأة في الخروج من تحت العباءة الأميركية في الكثير من الملفات، وقد كان أبرزها من جهة الموقف من العلاقة مع روسيا، سواء في ملف العقوبات الغربية بعد حرب أوكرانيا، أو في ملف أوبك بلاس حيث تلتزم السعودية بشراكتها مع روسيا في رسم سياسات السوق بصورة تسببت بالتأزم في العلاقات الأميركية السعودية وصولاً لقول الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومستشاره للأمن القومي جايك سوليفان، إن واشنطن تعيد تقييم علاقتها بالرياض. ومن جهة موازية العلاقة بالصين، التي ترجمتها السعودية بالقمم الثلاث التي استضافتها على شرف الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته للرياض قبل أقل من شهرين، وإعلان الشراكة الاستراتيجية مع الصين وقبول بيع النفط السعودي للصين باليوان الصيني، واستثمار أربعمئة وخمسين مليار دولار في مشاريع للصناعة البتروكيماوية في الصين، وكلها خطوات تصيب في الصميم ما يسمّيه الأميركيون بخطوط حمراء.
– التحسن في العلاقات السعودية الإيرانية الذي تحدث عنه وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته لبيروت، لحقته أنباء إيجابية عن التقدم في العلاقات السعودية السورية، ومع بقاء السعودية خارج سرب التطبيع، رغم مساهمتها في توفير الغطاء للتطبيع الخليجي. تبقى القضية الأهم التي تسبّب الأذى لمكانة وصورة السعودية الجديدة كما يفترض أن ترسمها الخطوات الكبيرة التي تبعد الرياض في تموضعها عن واشنطن، هي الحرب على اليمن، وتعلم القيادة السعودية أن هذه الحرب مطلب أميركي إسرائيلي لا صلة لها بالمصالح السعودية، التي كررت قيادة أنصار الله أنها لا تستهدفها، وكررت إيران انها تحترمها، وقد كررت قيادات قوى المقاومة في المنطقة وفي طليعتها المقاومة في لبنان مراراً، أن لا مشكلة بينها وبين السعودية إلا حرب اليمن. وتدرك القيادة السعودية أن لا أفق لتحقيق أي تقدم عسكري في هذه الحرب، وأن الأميركي يستعملها لجعل السعودية أكثر حاجة للسلاح والذخائر، والخضوع بالتالي للطلبات والإملاءات الأميركية، كما تعلم القيادة السعودية أن من تسمّيهم بالقيادة الشرعية لليمن ليسوا إلا دمى لن تصمد في اليوم الثاني بعد خروج قواتها من اليمن، وأن الحرب عائق أمام تفرّغ السعودية لتنمية اقتصادها وحفظ استقرارها، وسلاسة تدفق موارد الطاقة، وكلها مهدّدة بفعل الحرب، بحيث يختصر المشهد بمعادلة أن الحرب وراء كل المخاطر والأذى، وأن وقفها مصدر كل المكاسب.
– المقاربة التي تعرضها قيادة أنصار الله تحتاج الى قرار سعودي شجاع بطي الصفحة والبدء مع يمن جديد تقوده القوى الحية. وتحت هذا العنوان وقف الحرب وسحب القوات ووقف الحصار وتعويض أضرار الحرب والمساهمة بإعادة الإعمار، وكلها سهلة الهضم على مكانة السعودية ومقدراتها، عظيمة الأثر على مستقبل علاقاتها باليمن واستقرار الخليج، وتحسن العلاقات السعودية بالقوى الحية في المنطقة، ووفقاً للمعلومات الواردة من مسقط يبدو أن شوطاً مهماً على هذه الطريق قد تم قطعه، وأن القيادة السعودية باتت قاب قوسين من اتخاذ القرار التاريخي الذي ينهي الحرب، وكل حريص على قوة المنطقة ومنعتها، وسلام شعوبها وسلامة مقدراتها، لا يستطيع إلا أن يتفاءل بأن تكون هذه الأنباء صحيحة، لأنه إذا انفجر الوضع مجدداً فقد نكون أمام حرب تأكل الأخضر واليابس، وتتفجر فيها الأوضاع، ولا تنجو منها خطوط الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وكل الحروب سيئة والكل فيها خاسر، لأن لا نهاية للحرب إلا بإعلان وقفها، وما يمكن فعله غداً يفضل فعله اليوم، بخسائر أقل ومكاسب أكبر.