الثأر لسليماني والمهندس… كيف؟
د. جمال زهران*
للعام الثالث على التوالي، ومن خلال متابعة دقيقة وشاملة، يحتفل ويحيى الإيرانيون (دولة وشعباً) ذكرى القائد قاسم سليماني وشريكه (أبو مهدي المهندس)، ومرافقيهم، الذين استشهدوا بيد الغدر الأميركية.
حيث يخطب رئيس الدولة (الرئيس رئيسي)، خطبة رسمية في حشد جماهيري كبير وتنقله وسائل الإعلام الإيرانية، يتوعّد فيه بالثأر، وأنّ ما حدث من هجوم إيراني على قاعدة عين الأسد الأميركية لا يكفي للثأر والانتقام لقائد فيلق القدس ومؤسسه (سليماني)، بل أنهم يتحيّنون الفرصة للانتقام.
كما أنّ الجامعات تحتفل بهذه الذكرى، ويتمّ تنظيم مؤتمر دولي كبير، يحضره المفكرون من أنحاء العالم، تأسيساً وتأصيلاً لمدرسة القائد الشهيد قاسم سليماني، في النضال والتعبئة لتحرير بيت المقدس، يبدأ أعماله بكلمة من ابنته الكريمة السيدة زينب، ثم الكلمات الافتتاحية من كبار المسؤولين، في جلسات متتالية على عدة أيام، وتنتهي أعمال المؤتمر بصياغة أجندة المؤتمر المقبل، حيث حكى لي أحد الأصدقاء الذين حضروا تفاصيل ذلك.
فضلاً عن ذلك، تتجه الملايين من الشعب الإيراني، وضيوف إيران من كلّ أنحاء العالم، إلى محافظة كيرمان، على بعد أكثر من (1000) كيلو عن العاصمة، لزيارة ضريح الشهيد قاسم سليماني، في مقبرة الشهداء، وهي مدينة مسقط رأسه، والأجمل، أنّ قبر هذا العملاق الكبير يقع وسط الشهداء من نفس المحافظة (الولاية)، بلا تمييز مطلقاً عمن حوله من الشهداء!
وقد تمّت تسمية جامعة المدينة (كيرمان) باسمه، ومطار المدينة باسمه، والعديد من المؤسسات والمدارس، أعيد تسميتها باسمه.
ويستشعر كلّ من يتابع ذلك، بأنّ إيران في عيد كبير، باحتفاليات الشهداء وعلى رأسهم الشهيد قاسم سليماني.
إلا أنّ السؤال الكبير الذي يثيره الإيرانيون وداعموهم، هو: هل الانتقام والثأر لسليماني وصديقه المهندس، كافياً، ومتوازياً مع الجريمة التي ارتكبها ترامب (الرئيس الأميركي السابق)؟! وكيف العمل لمواجهة ما حدث؟!
الإجابة على السؤال في شقه الأول، هو: النفي بالاكتفاء بما حدث، ولعلّ الإصرار على الاحتفال بذكرى استشهاد سليماني، هو في حدّ ذاته يحمل هذا المعنى بالإصرار على الانتقام والثأر، والمسألة تتوقف على اللحظة المناسبة وخطط من أجل تحقيق ذلك.
فـ باعتراف الرئيس السابق (ترامب)، عند وقوع حادث الاغتيال لسليماني والمهندس وعدد من مرافقيهما، بأنه هو الذي أصدر القرار بتصفية هؤلاء بنفسه! وعلى أساس أنّ الاعتراف هو سيد الأدلة، إذن فإنّ المجرم الحقيقي هو ترامب وكبار مساعديه. ولذلك فإنّ هناك دعاوى قضائية أمام القضاء الإيراني، جاري نظرها وحسمها بالحكم يتضمّن توجيه عريضة الاتهام لترامب، وأنّ الثأر منه شخصياً وكبار مساعديه هو الثمن لاستشهاد سليماني والمهندس.
ومن الأفكار التي تثأر في هذا الصدد، أنّ رقبة وحياة ترامب، هي الثمن الحقيقي، لاستشهاد سليماني والمهندس، لكن السؤال هو: كيف يتحقق ذلك؟!
البعض يطرح أفكاراً، تقتصر على الطريق الدبلوماسي الناعم، حيث يتمّ رفع الدعاوى القضائية الدولية ضدّ ترامب ورفاقه، لإصدار حكم ضدّهم، وهو الأمر الذي من المشكوك في حدوثه.
حيث أنّ العلاقات الدولية تقوم على أساس “القوة”، وبما تمتلكه من أدوات لترجمتها إلى واقع فعلي، وسلوك عملي، ومن ثم فإنّ أميركا تمتلك من القوة وأدواتها، ما يحول دون الثأر عبر الطرق القانونية والدبلوماسية. وعلينا أن نتذكر أنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ولم تقرّ بوجودها!
بينما هناك فريق آخر، يرى أنه من الواجب، أن يعلن، قياساً على ما تعلنه الإدارة الأميركية نفسها من تخصيص مبالغ معينة مقابل تحقيق هدف معيّن كإلقاء القبض على صدام حسين بعد غزو العراق، وإلقاء القبض على بن لادن بعد غزو أفغانستان، وذلك بالإعلان عن تخصيص الدولة الإيرانية على مبلغ (5) مليون دولار لمن يقوم بإلقاء القبض على ترامب ورفاقه، ممن أصدروا قرار اغتيال سليماني والمهندس ورفقائهم، وهم عُزل، وكانوا في الطريق إلى مقراتهم ببغداد بعد خروجهم من المطار وفي زيارة سريعة ورسمية ومعلنة! على أن يتمّ الإعلان عن ذلك بشكل واسع.
ولعلّ مثل هذا الخيار، قد يكون مدخلاً للثأر من أجل الشهيدين، وردعاً للمستقبل، لكلّ من تخوّله نفسه وهو يحكم دولة استعمارية أن يفكر في اغتيال رموز الدول النامية والمكافحة من أجل الاستقلال، والحرية. وربما يكون ذلك مدخلاً أيضاً لرفع الروح المعنوية للشعب الإيراني وكلّ الشعوب المقاومة من أجل الحرية والاستقلال، ومن أجل تحرير بيت المقدس وفلسطين من النهر إلى البحر…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة