الأردن ونتنياهو…؟
} هشام الهبيشان
من تابع مؤخراً حجم الاستهداف المباشر والتشويه والتضليل الإعلامي والصادر عن وسائل إعلام وصحف صهيونية محسوبة على معسكر نتنياهو، بما يخص ويستهدف الأردن، سيدرك حتماً أنّ الأردن ومواقفه اتجاه القضية الفلسطينية بات هدفاً لوسائل إعلام محسوبة على نتنياهو، وسيدرك أيضاً حقيقة أنّ جاريد كوشنر كبير مستشاري رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء الصهيوني، ما زالا يستهدفان الأردن ونهجه ومواقفه اتجاه القضية الفلسطينية، وسياسة الأردن الرسمي الإقليمية والدولية، فالأردن وأثناء فترة رئاسة ترامب ونتنياهو، كان قد ذهب «مرحلياً وتكتيكياً وليس «استراتيجياً» نحو مجموعة خيارات بهدف تنويع علاقاته الإقليمية والعربية والدولية، في الوقت الذي كانت تشهد به علاقة الأردن الرسمي مع بعض جيرانه «العرب» فتوراً ملحوظاً وبكافة أصعدتها، وهذا الفتور ينسحب كذلك على علاقة الأردن الرسمي مع الكيان الصهيوني وبعض ساسة وجنرالات واشنطن حينها، بعد شعور الأردن الرسمي بأنّ هناك مشروعاً ما يستهدف المنطقة بمجموعها وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتصفيتها على حساب الأردن ونظامه السياسي…
ومن أجل تنفيذ هذا المشروع قام المعسكر الذي يعتبر حليفاً للأردن الرسمي، بممارسة جملة ضغوط على الأردن ونظامه السياسي من أجل دفعه للقبول بهذا المشروع «صفقة القرن»، وهذا ما عجّل بدوره في جعل الأردن الرسمي يذهب ومن باب المناكفة والمناورة حينها، نحو إعادة تنويع علاقاته الإقليمية والعربية والدولية، لتجنيبه على الأقلّ أيّ تداعيات ستفرض عليه في سياق ما يسمّى بـ «صفقة القرن».
وليس بعيداً عما تمّ ذكره أعلاه، يبدو واضحاً أنّ الرياح تجري في الداخل الصهيوني بما لا تشتهي السفن في الأردن، فبعد ان نجح الأردن الرسمي والشعبي، على الأقلّ بتجميد ملف «صفقة القرن»، وعدم نجاح ترامب وكوشنر ونتنياهو ومن معهم «مرحلياً»، بتحقيق ما كانوا يصبون إليه بخصوص ملف «صفقة القرن»، وبعد إزاحة هذا الثلاثي «مرحلياً» من المشهد السياسي، لم يكن متوقعاً في عمّان على الأقلّ أن يعود نتنياهو إلى المشهد السياسي الرسمي الصهيوني بهذه السرعة، فالأخير يحمل مشروعاً يستهدف الأردن عامة والذي يتحدث علناً انّ الأردن ومواقفه من «صفقة القرن»، كان سبباً رئيساً بإفشال وتجميد ملف الصفقة، وهنا من المؤكد أنّ الأردن ستمارس عليه جملة ضغوطات إعلامية ـ اقتصادية ـ سياسية وربما «أمنية» أيضاً، وسنرى جملة ضغوط من تل أبيب وبدعم من بعض قوى واشنطن على الأردن، ولهذا نحن مقبلون على تطورات وجملة ضغوط على الأردن، سيتمّ تنفيذها بأدوات «داخلية «مرتبطة بأجندة خارجية، للحدّ من قدرة الأردن الرسمي على المناورة بما يخصّ رفضه لـ «صفقة القرن» مستقبلاً، وقرار تنويع علاقاته الإقليمية والعربية والدولية.
الواضح هنا، أنّ دوائر صنع قرار الأردن الرسمي «بجزئها المحافظ» وكما تحدثت الكثير من التقارير والتحليلات، بدأت تقرأ بعناية تفاصيل وتداعيات ونتائج ومتغيّرات بدأت تجري إقليمياً وعالمياً، بما يخص القضية الفلسطينية وعودة نتنياهو وحكومته المتطرفة لسدة القرار الصهيوني، فهذه المتغيّرات بدأت تأخذ المساحة الكبرى من المناقشات والتحليلات لنتائجها على الصعيدين السياسي والعسكري الداخلي الأردني، والواضح أكثر أنّ دوائر صنع قرار الأردن الرسمي «بجزئها المحافظ» قد قرّرت الذهاب «تكتيكياً ومرحلياً» نحو تفعيل مجموعة خيارات جديدة لها بالإقليم وبالعالم بمجموعه تتيح لها هامش مناورة جديد مع الكيان الصهيوني، ونرى اليوم، أنّ الأردن الرسمي يحاول تشكيل معالم تقارب مع الروس من خلال البوابة السورية، ونجح بالتواصل مع السوريين عبر خطوط اتصالات عسكرية وسياسية واقتصادية وشعبية للعمل على انجاز تسوية شاملة لملف العلاقات الأردنية ـ السورية وعلى كافة صعدها، وهذا الأمر ينسحب على العلاقات مع إيران من خلال البوابة العراقية واللبنانية ومع تركيا والجزائر من خلال البوابة الفلسطينية، فدوائر صنع قرار الأردن الرسمي «بجزئها المحافظ» تسعى لاستباق أيّ متغيّرات عربية وإقليمية ودولية، ولهذا سعت لإنجاز مسار من التسوية مع الدولة السورية وتفعيل شامل للعلاقات معها وهذا ينسحب كذلك على علاقات الأردني مع الروسي والتركي والإيراني وبعض الأوروبيين.
ختاماً، يستحق الأردن اليوم أن نعترف أنّ الدولة الأردنية بكلّ مكوناتها، قد باتت مستهدفة أكثر من أيّ وقت مضى، فهي اليوم تستهدف بمشروع خارجي وبحجم استهدافات لا يمكن أن يسكت عنها،ولا يمكن لأي حر وشريف أن يسكت عنها، لأنّ السكوت عنها بهذه المرحلة، هو خطيئة وجريمة كبرى لا تغتفر بحقّ الأردن وشبابه ومجتمعه وأرضه ومستقبله، ويجب توضيح الحقائق، ويجب علينا بهذه المرحلة الاصطفاف بخندق واحد لمواجهة هذه الحملة الشرسة التي تستهدف الأردن وضرب استقراره وسلمه الداخلي، وهنا من المتوقع ان نرى عودة قريبة للثلاثي ترامب وكوشنر ونتنياهو، للمشهد السياسي الأميركي والصهيوني والعالمي، وعلينا الاستعداد جيداً لهذه العودة، عبر تمتين الجبهة الداخلية، وزيادة وتوسيع حجم العلاقات والتحالفات مع القوى العالمية والأقليمية والعربية، للقدرة مجدداً على المناورة مع مشروع خبيث وحاقد يحمله الثلاثي ترامب وكوشنر ونتنياهو، وجزء كبير من تفاصيله يستهدف الأردن بكلّ مكوناته…