نصرالله: قواعد اشتباك وربط نزاع وخريطة طريق
ناصر قنديل
– رغم الإيجاز الذي تعمّده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تناول القضايا السياسية الداخلية، خصوصاً الرئاسية والحكومية، والهدوء الذي عرض من خلاله لمواقفه، فإن كلمته بالأمس تشكل أول مقاربة لمرحلة الشغور الرئاسي من موقع التسليم بأنها مرحلة مديدة، وليست مجرد استعصاء عابر محكوم بالتجاوز تحت شعار أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، رغم الإجماع على هذا الشعار، فيضع لها السيد خريطة طريق، ويحدّد خلالها قواعد الاشتباك، ويقوم في مقاربتها بربط النزاع، وكل ذلك تحت عنوان تبريد المناخات الطائفية والسياسية، ومنع تشكل اختناقات تهدد بأي اشتعال خلال الفترة اللازمة لفكفكة عناصر الاستعصاء الرئاسي، التي يصر السيد نصرالله ان حلها داخلي، وأن وهم الحل الخارجي فيها إضاعة للجهد والوقت.
– خريطة الطريق التي يرسمها السيد نصرالله تنطلق من الاعتراف بالاختلاف وبحق الاختلاف وبالحقوق المترتبة على الاختلاف. وهذا يعني تفهم حزب الله أن لا يرغب الآخرون برئيس حليف لحزب الله، وأن يعبروا عن هذه الرغبة، وأن يسعوا لتكوين الأغلبيات اللازمة لترجمة هذه الرغبة. والآخرون هنا يتضمنون بكركي التي فتحت خط الاتصال على خلفية الرغبة بالحوار، وفتحت التلويح بالاتهام بخطة تعطيل الرئاسة استهدافاً للمسيحيين للضغط طلباً لمواصفات تريدها في رئيس أبعد ما أمكن عن حزب الله. ويتضمن الآخرون خصوماً لا يرغبون بالحوار أصلا، وآخرين لا يرونه ضرورياً الآن، وآخرين من الحلفاء لا يمانعون بإشهار البعد الطائفي والتلويح بالطلاق السياسي أو الطائفي طلباً للاصطفاف وراء خياراته كترجمة مفترضة للتحالف. هنا خريطة الطريق تتقدّم على قاعدة القول إننا مختلفون، فتعالوا ننظم الخلاف طلباً للاتفاق، ونعترف بحق الاختلاف، دون شيطنة المختلف، وحرمانه حقوقه الموازية في حال الاختلاف، وهذه هي قواعد الاشتباك. وإذا تعذر الأخذ بها فليكن ربط النزاع، فما لا يمكن التوصل لتفاهم حوله اليوم، قد يصبح ممكناً التفاهم عليه غداً.
– تقوم قواعد الاشتباك التي يطرحها السيد نصرالله على ركيزتين، أولاها تأكيد حقه بإقرار الخصوم والحلفاء بأن منطلقاته وطنية، لا تتصل بالقلق على السلاح، ولا بحسابات خارجية، وموقفه المختلف هو مجرد موقف مختلف، وثانيتها حقه بالإصرار على الإقلاع عن التسويق لنظريات حول الخلاف تمثل لعباً بنار العصبيات الطائفية، مثل تصوير الانقسام النيابي الذي يولد عجزاً عن انتخاب رئيس كمؤامرة تستهدف المسيحيين ومراكزهم في الدولة، وتصوير الخلاف حول مقاربة انعقاد الحكومة وآلية إدارة الشأن الحكومي في ظل الشغور الرئاسي، كمؤامرة على الدور المسيحي في الدولة واستهداف للميثاقية، وتصوير موقف حزب الله من هذا الملف كرسائل سياسية لحليفه التيار الوطني الحر، أو تصوير شروطه على الشركاء في الحكومة لقبول انعقاد الحكومة كرسالة سياسية تضامنية مع التيار الوطني الحر. فالحزب لا يضع الشراكة الوطنية قيد البحث ولا التفاهم مع التيار على الطاولة. ومعاييره ببساطة تنطلق من الحيثيات المباشرة للقضايا، لا مما يمكن تحميله لها من أبعاد استثمارية في السياسة، لأن الحزب لا يستثمر في السياسة عندما يتصل الأمر بقضايا تمس حياة الناس، أو عندما تؤدي للعبث بالسلم الأهلي واستنفار العصبيات الطائفية.
– ربط النزاع الذي يعرضه السيد نصرالله، يقوم على ركيزتين، الأولى هي الإدارة الباردة للخلاف حول الخيارات الرئاسية دون التهويل بالطلاق الطائفي او الطلاق السياسي، لأن هذا لن يغير في خيارات الحزب ومواصفاته التي تمثل حقوق الحد الأدنى برفض أي رئيس يمكن أن يطعن المقاومة في ظهرها. والثانية هي الإدارة بالمفرق لملف الحكومة، وفقا للقضايا، ما يعني عدم تطييف الخلاف الرئاسي وعدم تسييس الخلاف الحكومي. وفي قلب هاتين اعتماد الحوار والسعي للتقارب وصولاً لتفاهمات الحد الأدنى عساها تتطور وتكبر، لأننا مضطرون للتفاهم، ولأن العالم لن ينوب عنا في صناعته.
– في قضية الفيول الإيراني ضربة موفقة للسيد نصرالله تشبه يوم تحدّى الخصوم خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بقوله إنه إذا نال لبنان مطالبه ولم يتم تحقيق أي تقدّم في الملف النووي الإيراني فإن المقاومة ستذهب للتهدئة، وإذا لم ينل لبنان مطالبة وتم التوصل إلى تفاهم نووي يلبي طلبات إيران، فإن المقاومة ذاهبة الى التصعيد، ولم يخرج أي من الخصوم بكلمة، سواء للقول قبلنا التحدي أو لشهادة حق للمقاومة ومنطلقاتها الوطنية. وبالأمس قال السيد للخصوم، إن البواخر الإيرانية جاهزة لنقل الفيول إلى لبنان بما يكفي لإنتاج الكهرباء لستة شهور، والعقبة أميركية، والمطلوب استثناء أميركي من العقوبات يشبه ما يمنحه الأميركيون للعراق وما سبق ومنحوه لحكومة أفغانستان، فتعالوا نتقاسم المهام ونتقاسم الإنجاز؛ نحن قمنا بتأمين الفيول، وانتم قوموا بتأمين الاستثناء، سائلاً بانتظار أن يجيبه أحد. نحن سادة عند الولي الفقيه فأنتم ماذا عند حلفائكم؟
– بالمناسبة سؤال للتيار الوطني الحر صاحب اقتراح الفيول الايراني، لماذا لا يقترح على الحكومة قبول الهبة الإيرانية بنداً على جدول الأعمال ويقول إنه مستعد للحضور لجلسة ببند واحد هو هذا، بدلاً من السلفة، أو على الأقل يشهر الصوت بوجه العجز عن قبول الهبة، ويضمّ صوته للمطالبين بنيل لبنان للاستثناء الأميركي لتسهيل وصولها، وتحميل المعرقلين مسؤولية العتمة.