نتنياهو بين حزب الشركات وحزب المستوطنات
ناصر قنديل
– يقول نادي رجال الأعمال في كيان الاحتلال أن المكانة المتقدمة للاقتصاد الإسرائيلي ليست منفصلة عن المكانة التي يحتلها القضاء في الهرمية التسلسلية لمؤسسات الحكم في الكيان، حيث كلمة المحاكم فوق كلمة الحكومة وفوق كلمة الكنيست، وينضم آلاف رجال الأعمال إلى التحرك الاحتجاجي الذي تشهده تل أبيب للأسبوع الثاني رفضاً للتعديلات التي اعلن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو نيته إدخالها على التشريعات التي تنظم عمل القضاء وآلية تعيين القضاة بصورة تجعل الحكومة والكنيست أصحاب اليد العليا وتحوّل القضاء الى مؤسسة وظيفية لدى الحكومة والقضاة الى مجرد موظفين.
– تدور المعركة حول هوية الكيان مع نتائج الانتخابات، حيث نتنياهو يواجه القضاء تحت شعار الدعوة الى احترام إرادة الناخبين. فقد أكمل الحلف الفائز بالانتخابات جملة تحولات، بصورة عكسية لتلك التي أحدثها وصول حزب العمل قبل ستة عقود، لكن التحولات الجديدة تنتظر التظهير القانوني، في الانتقال من الجيش الى الميليشيا أو العصابة كما يطلب اتمار بن غفير، يوازيه مشهد ارييه درعي بترجمة سيطرة الكنيس على الكنيست، ويشكل القضاء المعقل الأخير لمجمع الأعمال لمنع انهيار الاقتصاد وخروج الرساميل والعقول المنتجة خصوصاً في عالم التكنولوجيا، لأنه يستشعر أن الضلع الثالث للكنيس والعصابة هو الكيبوتس، أي العودة إلى مجتمع المستوطنين الزراعي.
– التزام نتنياهو بقرار المحكمة بتنحية درعي لا تشكل نهاية المطاف، ولا إعلان الهزيمة أمام القضاء ومجتمع الأعمال، فنتنياهو ملتزم بإعادة درعي بطرق قانونية كما قال، أي بتعديل الأطر القانونية التي تمنح المحكمة العليا صلاحيات ملزمة للحكومة والكنيست، ولا يبدو بالمقابل ان العلمانيين ونادي رجال الأعمال وتشكيلات الطبقة الوسطى ومجتمع التكنولوجيا والهيئات الحقوقية، يفكرون بالاستسلام، لأنهم يعتبرون خسارة المعركة تسليماً بتحول الكيان الى مكان لا يصلح للعيش، وبديلهم الوحيد المتاح هو الهجرة، ولا يخفي هذا الحلف الاجتماعي الثقافي احتضانه للقوى السياسية المناوئة للأغلبية الحاكمة بقيادة نتنياهو، كما لا يخفي عزمه الاستقواء بدعم غربي، محوره يهود الخارج ومنظماتهم، والدعم المفترض من الادارة الأميركية وعدد من الحكومات الأوروبية.
– حكومة نتنياهو التي تسيطر على الكنيست بأغلبية ضئيلة تحاول تغيير هيكلية الكيان القانونية بسرعة، ومعها تغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين، وعندما تنفجر واحدة من هاتين الجبهتين وتبلغ نقطة اللاعودة، سوف يدخل الكيان أشد لحظات تاريخه حرجاً. فالجبهة الصهيونية المنقسمة إلى رؤيتين لا بد أن تنتصر إحداهما، يواجه تحولات تاريخية؛ فإذا انتصرت جبهة نتنياهو سوف يدخل الكيان مرحلة الضمور الاقتصادي والسكاني والتراجع السياسي، يواجه مقاومة فلسطينية تدعمها انتفاضة شعبية بأقل من نصف الحيوية التي كان يمتلكها الكيان في المواجهات الأقل حدة أواخر الثمانينيات مع انتفاضة الحجارة، ومطلع الألفية مع انتفاضة الأقصى؛ وان هزم نتنياهو سوف يفقد الكيان الحيوية الوحيدة المتبقية لوهم القدرة على مواجهة المقاومة والانتفاضة، وهي حيوية الاستيطان والتطرف، الأقرب للتوحش.
– اذا انفجرت المواجهة بين حكومة نتنياهو والمقاومة الفلسطينية ومن خلفها الانتفاضة الشعبية، فيما الصراع لا يزال مفتوحاً داخل الكيان، بين جبهة نتنياهو ومناوئيه، ستكون الجبهة الداخلية للكيان ممزقة فيما جبهته الخارجية مشتعلة، وهي ليست مشتعلة على الحدود بل في قلب الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، ما سوف يعني في لحظة الذروة عندنا تدخل غزة وربما المقاومة في المنطقة على خط الاشتباك، إذا تعرّض المسجد الأقصى خصوصاً للخطر، فإن الكيان سيواجه اشد معاركه خطراً وهو في أضعف حالاته.
– الأصل أن ما نشهده داخل الكيان ليس الا تعبيراً عن التراجع التاريخي الناتج عن عجز المؤسسة العسكرية عن خوض حرب، وعجز المؤسسة السياسية عن دفع تكلفة تسوية، والانسداد الاستراتيجي هو الذي ينتج التفكك، كما يفتح الباب لمأزق الوجود.