باربرا ليف والساعة صفر… قضائياً ومالياً: «يجب أن تسوء الأوضاع أكثر ليتحرّك الشارع»
ناصر قنديل
– قبل شهرين تماماً تحدّثت معاونة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف أمام مركز ويلسون للأبحاث عن لبنان، ولعله من المفيد جداً استذكار أبرز ما قالته في هذا الحديث المخصص لاحتمال الفراغ الرئاسي، حيث معادلتان تحكمان قراءة ليف، الأولى تقول «إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما إعادة بنائه من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها حزب الله»، والثانية تقول «يجب أن تسوء الأمور أكثر، قبل أن يصبح هناك ضغط شعبي يشعر به النواب». وتشرح ليف نظريتها بدون تحفظ فتقول، «أرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها… قد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية. هناك العديد من السيناريوهات الكارثية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيين أنفسهم سوف يحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا، حيث ممتلكاتهم»، متوقعة «فراغاً طويلاً في رئاسة الجمهورية» قبل أن يؤدي التحرّك الذي تنتظره في الشارع عندما تسوء الأمور أكثر الى النتائج المرجوة بدولة تتخلص من حزب الله، الذي يقلق «جيران لبنان».
– نستعيد كلام ليف اليوم لأننا ندخل الساعة صفر لبدء تنفيذ الخطة التي رسمتها ليف وأسمتها بالسيناريو، فثمة محرّكان كبيران يدفعان لبنان نحو الأسوأ الذي بشرت به ليف: محرك مالي يقوده مصرف لبنان وتواكبه العقوبات الأميركية الهادفة لتسريع الانهيار، وعنوانه تحرير سعر صرف الدولار من أي ضوابط حتى تخرج الناس الى الشارع، ومحرك قضائي يقوده المحقق العدلي طارق بيطار وتواكبه التصريحات الأميركية الداعمة على أكثر من صعيد، ويشجعه تدخل فرنسي واضح، وصولاً لتفجير مواجهات في الشارع مع القوى الأمنية دعماً للقاضي بيطار، وتفكك الدولة الذي تحدثت عنه ليف واضح أمام أعيننا، تضارب المواقف القضائية وانحلال المؤسسة القضائية، ودفع باتجاه «فقدان الجيش والأجهزة الأمنية للسيطرة»، وشارع يبدأ بالتحرّك، سواء بخلفيات عفوية أو مبرمجة، فالقضايا المطروحة كافية لمنحه المشروعيّة.
– السياق الذي يفتحه مسار باربرا ليف هو ما وصفته بأن يسوء الوضع أكثر وأن تتفكك الدولة، يقوم على نظرية التصفير، أي الذهاب الى القعر، حيث قالت إن الارتطام سيكون قاسياً، لكنها متفائلة وفق نظرية ان انهيار لبنان سيكون أفضل لإعادة بنائه من تحت الرماد، محددة معياراً واحداً لإعادة البناء هو التخلص من حزب الله. وهذا ما تعرف ليف ومن ورائها كل إدارتها أنه فوق طاقتهم وأنه لن يتحقق. فالمطلوب إذن هو حرق لبنان كي يتم التفاوض على ما يتمّ بناؤه من تحت الرماد مع حزب الله ولو بصورة غير مباشرة، أو التلويح بحافة الهاوية في الانهيار وصولاً للاحتراق الكامل، طلباً للتفاوض، فهل يقبل اللبنانيون الذين يخاصمون حزب الله ذلك؟ وهل يرتضون أن يكونوا مجرد وقود تستخدمه واشنطن لتحسين وضعها التفاوضي بوجه حزب الله، وهم يعلمون الاعترافات الأميركية بأن حزب الله يمتلك قدرة التحمّل التي ربما لا تمتلكها البيئات السياسية والشعبية لخصومه، لا مادياً ولا معنوياً؟
– ثمّة خريطة طريق واحدة لمنع سيناريو الجنون الأميركي الذي ينفذه نيرون أو شمشون لبناني برأسين، رأس في المصرف المركزي ورأس في العدلية، وهي موقف قضائي وأمني وحكومي ونيابي بنصاب كافٍ لكفّ يد هذين الرأسين، فقد آن الأوان للاقتناع بأن أحداً من القوى المحلية لا مصلحة له ببقائهما، وأن التوجّس بين الأطراف اللبنانية من تداخل وتشابك بين كل منهما وأطراف أخرى هي شكوك يزرعها الأميركي لتوفير الحماية لهما، وأن قرار كفّ اليد ممكن وواجب، ولو احتاج الى تشريع الضرورة واجتماع الحكومة تحت عنوان الضرورة، وهل هناك ضرورة أكثر من منع الانهيار ومنع تحوّل لبنان الى رماد؟