أهمية القضاء في تكامله…
} منجد شريف
لا جديد في ما آلت إليه الحال في صراع الصلاحيات بين المحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار والمدّعي العام التمييزية القاضي غسان عويدات، ومهما ذهبنا في الاجتهادات ونقاش الصلاحيات نبقى أمام ثابتة تاريخية، أنَّ كلّ قضايانا خاضعة للتسييس.
منذ اللحظة الأولى للانفجار الأسطوري للمرفأ وملف التحقيق فيه ككرة نار يتقاذفها الجميع، دون استثناء، حتى الجسم القضائي لم يسلم من لهيبها والذي أدّى إلى تصدّعه، وهو آخر الحصون والعمود الفقري لتوازن الدولة وديمومتها وضمانة استمرارها.
لا يُخفى عن الجميع أنَّ كلّ ويلاتنا، لم تكن في يوم من الأيام صنيعة القضاء والقدر، فشرارة الحرب الأهلية لم تكن كذلك، ولا كلّ الأحداث المتتالية التي عصفت ببلادنا، من اغتيالات واعتداءات وحروب، وليس آخرها الانهيار الاقتصادي وانفجار المرفأ.
إنها سلسلة من الأحداث مترابطة، لتمهّد الطريق للمستقبل، وليس بالصدفة أن يتمّ القضاء على القطاع المصرفي بين ليلة وضحاها، وأن ينفجر المرفأ بعصفٍ أسطوري في تاريخنا المعاصر لإخراجه عن الحركة، وهذا ما يدفعنا للنظر إلى المنافسة التاريخية مع مرفأ حيفا إبان الانتدابين البريطاني والقرنسي، ولنستشرف المستقبل إلى ما يعوّل على مرفأ حيفا، فيما لو نجحت «صفقة القرن» وطابور المطبّعين مع العدو، وما يمكن أن يشكله ذلك المرفأ من أهمية اقتصادية في العلاقات المستقبلية مع الدول المطبّعة، لجهة موقعه وجاهزيته.
وما ينطبق على المرفأ ينطبق أيضاً على أهمية دور القطاع المصرفي وريادته في المنطقة، وما أحرزه تاريخياً من ازدهار، وفي كلّ مرحلة شهد فيها هذا القطاع تقدّماً، تعرّض لهزة تودي بسمعته وبدوره لسنوات، كي يعود ويستعيد زمام المبادرة مجدّداً، كما حصل في قضية بنك أنترا في ستينيات القرن الماضي.
لم يكن الصراع بين المحقق العدلي والمدّعي العام التمييزي وليد الصدفة، فملف المرفأ اختلطت فيه السياسة بالقانون، وراح ضحيته أبرياء في الطيونة، وقد نام في الأدراج لأسباب سياسية، ليعود ويستيقظ بالأمس بسحر ساحر، وتزامن ذلك بعد زيارة وفد القضاة الأوروبيين للتحقيق مع سلامة والمصارف، إضافة إلى قضية المرفأ، وكأنّ في الأمر لغزاً ما لا بدّ من الوصول إليه، ولسنا هنا في معرض التشكيك والاتهام لأيّ من القضاة وكلهم شرفاء وتاريخهم ناصع، لكن أهمية القضاء في تكامله، علماً أننا جميعاً كدنا أن نكون في عداد شهداء المرفأ، فيما لو صادف وجودنا هناك، والبحث عن الحقيقة يعني كلّ فرد منا كمواطنين نتوق للحقيقة في كلّ ما يحلّ من ويلات في وطننا، ولم يسجل حتى اليوم أن دخلت قضية بحجم قضية المرفأ في السجال السياسي، إلا وضاعت الحقيقة بفعل التجاذب السياسي الكبير والذي تدور في فلكه كلّ أركان الدولة، وكأنه من غير المسموح أن نصل لأيّ حقيقة، وأن تبقى كلّ قضايانا مثار خلافات وجدل وحروب صلاحيات متضادة ومعها تذوب الحقيقة والوطن في آن واحد.
ربما ما نشاهده اليوم من صراعات مردّه إلى حال التخبّط والشلل الكبير، الذي أصاب بنيان الدولة منذ بداية الأزمة المالية في العام ٢٠١٩ وحتى اليوم، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي أصبحت كلّ مؤسسات الدولة في حال من الضياع بين الصلاحيات، فضلاً عن تبخر قيمة الرواتب وانسداد الأفق. ولا نذيع سراً إذا ما قلنا إنّ ما نواجهه هو أحد مفاعيل الحرب الاقتصادية المفروضة علينا، وكلما توقعنا فرجاً يزيد الخناق علينا، والمطلوب أن نخضع في كلّ مقدراتنا ومواردنا تبعاً لمشيئة العدو، وعوض عن أن تجمعنا المصيبة فإذ بها تزيد من شرذمتنا وتشتتنا وحروبنا ضدّ بعضنا البعض، كما في كلّ المحطات الحساسة من تاريخ هذا الوطن، فما عدنا نعلم هل ما زال لنا الأمل في الغد الأفضل، أم أننا في كلّ يوم نكون في الأفضل نحو الأسوأ؟!
بين صلاحيات المحقق العدلي والمدعي العام التمييزي، ينتظر المواطن حقيقة بات مسلماً بها، وهي أنّ هناك أيادي خفية تعبث بمصير بلدنا، ولا تتمنّى لنا سوى السوء، وإنْ كان هناك في قضية الموفأ بعض الأخطاء في ممارسة الصلاحيات، فضلاً عن الفساد، في ركن كمية من النيترات بتلك الكمية، فهناك من تربص الشر واصطاد الوقت ونفذ جريمته، ليدخلها كسابقاتها من القضايا في السجال السياسي، ولتصبح مضبطة اتهام لهذا الفريق ضدّ ذاك، ولتصبح كما في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مادة جدلية بين اللبنانيين، لتزيد من تباغضهم ونفورهم، ومن ثم تغيب بعدما تؤدّي فعلتها في استهلاك الوقت وضرب ما تبقى من كيان الدولة…