نافذة ضوء
دين الحضارة حضارة ودين الهمجي همجية
} يوسف المسمار*
إن الإعرابي الجاهلي الذي تربّى على وأد ابنته ودفنها عند ولادتها وهي على قيد الحياة، واعتاد على سرقة وسلب وقتل من يتمكّن من سرقته وسلبه وقتله، وورث عن أهله وعشيرته وقبيلته غرام الجشع والطمع والغزو والعدوان ليس من السهولة أن يتخلّى عن كل هذه الآفات والمثالب دفعة واحدة ليصبح انساناً سوياً عاقلاً يفهم حقيقة الرسالة التي جاء بها النبيّ محمد مبشراً وهادياً. وحين أسلم الجاهلي لم يكن إسلامه إلا طمعاً بمغنم أو خوفاً من خسارة، وإسلامه لم يكن الا استسلاماً عن عجز، أو خنوعاً عن جبن. ويوم استسلم للإسلام حمل الى الإسلام معه كل تراثه القبيح المليء بنتن قرون وقرون من التقاليد البذيئة، والعادات النجسة، والأعراف الماقبل بدائية الهمجية التي حفــلت بها مفاهيم قبائل الجاهلية البغيضة المريضة. خصوصاً عندما «جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفــواجا»، كما ورد في القرآن الجليل. فالجماعات والأفواج التي دخــلت في دين الإسلام لم يدخل فيها الدين، ولم تنتصر في تلك الجماعات التعالــيم الروحية العالية، ولا أسلمت عن وعي وإيمان ولا حباً بالصلاح وعشقاً للفضيلة، بل كل ما استوعبته وفهمته من تعاليم الإسلام مغانم الغزو، ووراثة أموال وأرزاق ونساء الآخرين في هذه الدنيا، والفوز بالحوريات ونعم الأكل والشرب والقصور والغواني والغلمان والجنائن التي تجري من تحتها الأنهار بعد الموت. ولولا هذه الأمور المادية الدنوية والأخروية لما اكترثوا بالإسلام ولا بالنبي ولا حتى بالله. ألم يقل ابو سفيان للنبي مستهجناً ومستغرباً: «ما هذه التجارة يا محمد؟ أنستبدل مئة وعشرين الهاً بإلـهٍ واحدٍ هو الله؟! إنها بدون شك تجارةٌ خاسرة». إن إسلام الجاهليين لم يكن الا جهلاً وجهالةً وجاهلية.
وكذلك، فإن الغربي المجرم الاستعماري الذي ادعى اعتناق المسيحية، ورفع صليب المسيحية بعكس ما هو عليه وما عبَّر عنه الصليب من فداء وتضحية في سبيل عقيدة المحبة والسلام تحوَّل صليبه وانقلب حتى صارالصليب سيفاً يقطع به رؤوس من لم يخنع لسطوته وجبروته في الماضي، وأصبح اليوم قنابل نووية يهدد بها حياة الشعوب، لم تكن مسيحيته في الماضي الا إجراماً وعداوة، وليست مسيحيته اليوم إلا طمعاً بالسيطرة على موارد الأمم واستعبادها.
والذي استطلف من العروبة عادات وأد البنات والغزو وقتل الذكور وسبي النساء وزواج النكاح وتكفير غيره من الناس لا يمكن أن تكون عروبته إلا عروبة إجرام وغزو وسلب ونهب وسرقة وجهاد نكاح والسعي الى امتلاك المزيد من الزوجات في الدنيا، ومزيد من الحوريات في الآخرة، والإمعان في المزيد من الموبقات وفواحش الأعمال، وارتكاب جرائم تدمير المدارس وقتل الأطفال، وتخريب المرافق الحيوية العامة، وتفجير المشافي وذبح الأطباء وتقطيع أوصال المرضى، كما نشاهد اليوم على أرض الجمهورية العربية السورية.
دين العادلين عدالة ودين الظالمين ظلم
لقد توافق العدوانيون الغربيون والتكفيريون المحليون على دين جديد يقوم على العدوان والظلم باسم الله، وعلى الجبن والخنوع أمام الظالم باسم الله أيضاً. فإذا بإلههم ظالم يعشق الظلم، ورضاه لا يكون ولا يتم الا بنذالة الخانعين الجبناء، وجعل الدماء تجري أنهاراً.
أمام هذه الوقائع المرعبة وهذه الحقائق المعطّلة للروح الإنسانية السليمة، والمدمّرة للعقل الإنساني المدرك، والمشوِّهة للنفس الإنسانية التي شاءها الله جميلة لم يعد أمامنا طريق للخلاص الا بهزّ وإيقاظ وتنبيه النفس السورية الجميلة، في ابناء سورية على كامل ارض الهلال السوري الخصيب التي أخرجت البشرية من ظلمات بدائيتها بما قدّمته من رسالات حضارية متقدمة، ومفاهيم انسانية راقية، وتعاليم سامية تُقرّب الإنسان من الله.
فالروحية السورية السامية مسيحيتها سامية، ومحمديتها سامية، وعروبتها سامية. والعقلية السورية الراقية إسلامها المسيحي راقٍ، وإسلامها المحمدي راقي، وعروبتها الثقافية راقية. والنفسية السورية الحضارية مسيحيتها حضارة، ومحمديتها حضارة، وعروبتها حضارة وحياتها كلها حضارة.
ومخطئ مخطئ من يظن أن سلوك الجاهلي المجرم الحاقد حتى ولو آمن بالمسيحية والمحمدية والعروبة هو إنسانٌ سويّ تتساوى مسيحيته ومحمديته وعروبته مع مسيحية ومحمدية وعروبة الواعي الكريم المحب الفاضل. فإيمان الجاهل جهل، وإيمان الأحمق حمق، وإيمان المجرم إجرام. فلا شيء ينقذ أمتنا مما تتعرض اليه من الويل الا وعينا السوري، وعدلنا السوري، ومحبتنا السورية، ومسيحيتنا السورية، ومحمديتنا السورية، وعروبتنا السورية، وإنسانيتنا السورية، وبطولاتنا السورية المؤيدة بصحة العقيدة، ورقيّ التعاليم، وطهارة النفوس، وشجاعة أبناء الحياة الواعين المؤمنين بأن الحياة الحياة التي يريدها الشرفاء الأعزاء لأنفسهم ويريدها الخالق العظيم لهم هي وقفة فضيلة وعزّ تختصر الزمان وتطوي أبعاد المسافات في لحظة كرامة كرّم بها الله حملة أمانة العقل فارتقوا الى ملكوته خالدين خلود الأخيار وليس خلود الأشرار. فالأشرار خالدون أيضاً كما الأخيار، ولكن شتان شتان ما بين خلود الخير وخلود الشر وما بين رائحة العطور وروائح الفطايس وقاذورات العفونات.
من المؤسف جداً أن نجد الكثيرين من السوريين يجهلون تاريخهم الحقيقي ويفاخرون بالتاريخ المستعار. لا يهتمون بما صدّروه الى العالم من مآثر وتعاليم وآداب وفنون، بل يهتمون بما أتى به وما يأتي به الآخرون اليهم من بقايا نجاساتهم وفضلات أمعائهم.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.