العدالة الضحية…
} مأمون ملاعب
صرّحت سفيرة الولايات المتحدة في لبنان: أنّ ضحايا انفحار مرفأ بيروت يستحقون العدالة. لم تفاجئنا هذه الرقة والإنسانية الصادرة عن سعادتها، فنحن، في الشرق خصوصاً وفي العالم عموماً ننعم بهذه الإنسانية الزاخرة للولايات المتحدة ودفاعها الشرس عن حقوق الإنسان…
تخيّلت للحظة ومن منطق المبادلة بالمثل انّ سفير لبنان في واشنطن صرّح مطالباً بالعدالة لضحايا التمييز العنصري والأبرياء الذين جرى التنكيل بهم بعد أحداث 11 أيلول 2001 أو للمنكوبين بالأعاصير وآخرهم ضحايا العاصفة الثلجية وبسبب الإهمال الحكومي او ضحايا السلاح الفردي المتفلّت بسبب قانون أخرق…
ما لنا بهذا الكلام، العدالة حق للمجتمعات أولا وللأفراد داخل المجتمعات، ومَن يرفض العدالة؟
أهمّ الأسس التي ترتكز إليها العدالة هو المساواة أمام القانون، وعدم التمييز. إذا ما تمّ الخرق في الأسس من قبل أحد ما في مكان ما، ثم عاد وطالب بالعدالة في مكان آخر! فحق لنا ان نبحث في الدوافع والخلفيات حتى لا تتحوّل العدالة الى سلعة او مطية لأغراض خبيثة.
فاجعة انفجار المرفأ لم تتوضح الى الآن، وإحدى الفرضيات هي الإهمال، وربما هي عمل إجرامي مقصود. نحن بحاجة الى تحقيق لنتبيّن الحقيقة. الولايات المتحده تريد من التحقيق فرصية واحدة وهي لا تتعاون مع القضاء وتقدّم صور الأقمار الاصطناعية، تماماً كما فعلت مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لقد قدّمت مرة صوراً من أقمارها وقام وزير خارجيتها بالشرح تثبت انّ العراق يصنع أسلحة دمار شامل واستندت اليها وهاجمت العراق واحتلته وفتكت به… وبعدها اعترف الوزير كولن باول أنه كان يكذب.
بالأمس القريب وقعت جريمة اغتيال الحريري. كانت العدالة هي المطلب الوحيد لكلّ الكذابين، والصادقين طبعا، وتمّت إدانة القضاء اللبناني بإقصائه، وفُرض علينا القضاء الدولي الشفاف النزيه المقتدر فكانت العدالة نفسها أولى ضحاياه. وقع الظلم على الضباط الأربعة وعلى سورية وعلى حزب الله… ولم ينصف الحريري المغدور ولا عائلته ولا تياره…
جرائم كثيرة وقعت وخلفت ضحايا كثر. المجرم معروف كما الضحية غير انّ المتشدّقين كثيراً بالعدالة لم ينبسوا ببنت شفة إلا اذا كانت تبريرا يبرّئ مرتكباً ولا ينصف مظلوماً والأمثلة بالمئات بل أكثر.
*قصف جيش العدو مقراً للأمم المتحدة في جنوب لبنان يحتضن خيماً لمن قصده حماية من القصف ومات مئات الضحايا. مَن حاسب مَن؟ ومثلها فعل العدو عشرات المجازر والتعديات على المرافق العامة وحتى الإسعاف وكلنا نعلم تماماَ انه فوق الحساب.
* الجيش الأميركي نفسه قصف ملجأ العامرية ببغداد ومات آلاف الضحايا وكان التبرير أنه خطأ وان الحروب تشهد الأخطاء. أين العدالة للمنكوبين؟
* يكفي ان نقول انّ الولايات المتحدة ضربت مدينتين آهلتين بالسكان بالقذائف النووية موقعة عشرات الآلاف من الضحايا والعملية ليست خطأ لكنها مبرّرة بالحروب ما يسقط مصداقية حقوق الإنسان والعدالة والإنسانية وكلّ الشعارات الرقيقة الزائفة.
المظلومون يحتاجون الإنصاف. العدالة تحتاج قضاء نزيهاً قوياً. القضاء القوي يحتاج دولة. ما بالنا في لبنان نستمرّ بتحطيم الدولة المتهالكة أساساً بفعل التجزئة الى دويلات الطوائف.
مرض عضال يفتك بجسم الكيان هو الانتماء الطائفي، وحقوق الطوائف ومصالحها وكرامة الطوائف وخياراتها المتناقضة وارتباطاتها وعلاقاتها فلا دولة ستقف ولا قضاء ولا عدالة، والدواء الوحيد لهذا المرض واضح يرفض اللبنانيون تجرّعه.