لبنان في متاهة الفوضى: بعد انشطار القضاء… بماذا يلوّح «القدر»؟
} د. عصام نعمان*
كاد معظم اللبنانيين، مسؤولين وقياديين ومواطنين، يقولون بعد الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عصف بالبلاد والعباد، إننا جميعاً قد أصبحنا في مهبّ القضاء والقدر.
في لبنان، “القدر” ليس قوة ماورائية روحية أو مادية بل هو متحد قوى بشرية سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، داخلية وخارجية، تتنافس وتتصارع فتصنع واقعات وتداعيات وتحوّلات جيوسياسية وجواستراتيجية. وبعد انشطار القضاء الى معسكرين متصارعين لم يبقَ أمام اللبنانيين إلاّ “القدر” المتعدّد الوجوه، يلعب ويتلاعب بهم بلا رحمة.
لا غلوّ في القول إنّ لبنان أمسى في متاهة فوضى عارمة تتجلّى في شغور سدّة رئاسة الجمهورية، وتعثر حكومةٍ مستقيلة تتولى، نظرياً، تصريف الأعمال، وشلل مجلس نيابي ذي تركيبة فسيفسائية جعلته عاجزاً عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فوق ذلك كله، تبدو الأطراف السياسية المتصارعة عاجزة عن إجراء حوارٍ وطني مُجدٍ في ما بينها بغية التوصّل الى مخارج وتسويات ما أدّى الى تفاقم الأزمة المزمنة واشتداد الصراع وتمديد متاهة الفوضى.
الى أين من هنا؟
في ضوء ما جرى ويجري من أفعال وردود أفعال، تلوح في فضاء التطورات السياسية مسارات خمسة محتملة يمكن أن يكشفها “القدر” الغاشم:
المسار الأول، المزيد من الفوضى وتمديد زمن المتاهة، من حيث:
ـ استمرار العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ـ اشتداد الانشطار في القضاء الى معسكرين متنابذين، كلّ منهما مدعوم بقوى سياسية متصارعة في الحكم والمعارضة.
ـ ازدياد التظاهرات المعارضة للحكومة ولأهل السلطة وللقضاة المتنازعين والسياسيين المعادين لحزب الله المتهم، زوراً، بأنه تنظيم إرهابي الأمر الذي حمل مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى التحذير قائلاً: “بيروت هي أمّ الشرائع فلا تجعلوها أم الشوارع”.
المسار الثاني، تدحرج الوضع السياسي والأمني الى أمر واقع تقسيمي، من حيث:
ـ انحسار سلطة الحكومة على المناطق إدارياً وأمنياً.
ـ إمساك الحزب او الفئة الأقوى شعبياً ونفوذاً في كلّ المحافظات والأقضية بالسلطة والدوائر الإدارية والأجهزة الأمنية في نطاقها.
ـ حصول تباعد بين فئات السكان يُنذر بصدامات أهلية.
المسار الثالث، انتعاش مساعي التوفيق بين الأطراف السياسية المتصارعة، من حيث:
ـ تحقيق تقارب بين حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) من جهة والتيار الوطني الحر (جبران باسيل) من جهة أخرى على انتخاب شخصية وطنية مستقلة عن الأطراف السياسية المتنافسة على رئاسة الجمهورية.
ـ عجز القوى السياسية المعارضة لحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر عن توليف أكثرية تحول دون انتخاب شخصية وطنية توافقية غير موالية لسياسة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في لبنان والإقليم.
ـ احتمال إخفاق الأطراف المتصارعة في التوصل الى اي تسوية، خصوصاً بعدما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري خشيته الضمنية من احتمال أن تنقضي ولاية المجلس الحالي من دون القدرة على انتخاب رئيس جديد يملأ الشغور المستمر منذ نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
المسار الرابع، مبادرة السعودية وقطر وفرنسا مجتمعين او منفردين للتوفيق بين الأطراف اللبنانية المتصارعة، بما يؤدي الى:
ـ عقد حوار في الرياض او الدوحة بقصد التوصل الى مخرج من حالة الاستعصاء القائمة.
ـ التوصل الى تسوية متعددة الجوانب حول انتخاب رئيس جديد، وحكومة ائتلافية جديدة، واستراتيجية للدفاع الوطني ودور المقاومة فيها، ومتابعة التحقيق في قضايا تفجير المرفأ، والأموال العامة المنهوبة، وقانون الكابيتال كونترول، واستعادة أموال المودعين من المصارف.
ـ احتمال إخفاق الحوار المشار اليه آنفاً ما يؤدّي الى تفاقم الأزمة وما قد ينشأ عنها من تداعيات سياسية وأمنية.
المسار الخامس، هجوم “إسرائيلي” يستهدف المقاومة في لبنان في نطاق المخطط الصهيوـ أميركي لاحتواء ايران وحلفائها، من حيث:
ـ محاولة تدمير قدرات المقاومة ومقاتليها او إضعافها في الأقلّ.
ـ تدمير بعض ما تبقّى من المرافق الحيوية في لبنان وتحميل حزب الله مسؤولية ذلك في سياق الحرب.
ـ تأليب القوى السياسية اللبنانية على بعضها بعضاً في سياق المخطط القديم ـ الجديد لتفتيت لبنان وسورية والعراق الى كيانات متنازعة لدواعٍ قَبَلية أو مذهبية أو إثنية.
هذه المسارات الخمسة المحتملة قد يتحقق بعض من جوانبها أو قد لا يتحقق أبداً. غير انه يتعيّن على القوى الوطنية الحيّة في لبنان وسائر دول المشرق العربي أن تتحوّط وتتوحّد لإحباطها من خلال بناء تحالف شعبي عريض للقوى الوطنية الحيّة القادرة على التزام مسارٍ وبرنامج عمل نهضويين يتوخيّان إعادة تأسيس الدولة الوطنية القادرة والعادلة في كلٍّ منها.
*نائب ووزير سابق