سورية وتحديات الحصار الاقتصادي
} م. مدحت أبو الرب
بعد انسحاب أميركا من العراق مجبرة تحت ضربات المقاومة العراقية رأينا الانسحاب المذلّ من أفغانستان ومشهد الهروب الكبير في مطار كابول. هذه الانسحابات دلت على عدم قدرة الولايات المتحدة بتحقيق مصالحها من خلال السيطرة العسكرية المباشرة. وهو ما أكد عليه سياسيوها بأنّ التواجد العسكري لعشرين سنة في أفغانستان لم يحقق الأهداف والتواجد لعشرين سنة أخرى سيكون له نفس النتائج .
لذلك رأينا أنّ النهج ضدّ سورية مختلف، فلم تقم الولايات المتحدة بالتدخل مباشرة، رغم وجود فرص سانحة للتدخل، ومنها يوم كان انتشار الجيش السوري في مساحة ضيقة من الجغرافيا السورية فرضته طبيعة المعركة والصراع. في تلك الفترة كانت معظم الأراضي السورية كمساحة جغرافية تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، وكانت الجماعات تحتلّ أجزاء من حلب وحماة وحمص والبادية السورية وكانت أقرب ما يكون لدمشق من خلال تواجدها في الغوطة. رغم ذلك لم تتدخل أميركا بشكل مباشر، واعتمدت على الوكلاء وعلى كلّ أدواتها في المنطقة سواء أدواتها في المنطقة أو من خارجها. فتمّ فتح الحدود بين سورية وكلّ محيطها لإدخال الجماعات الإرهابية والأسلحة والأموال وما أمكن جمعة من المرتزقة من مختلف أنحاء العالم حتى وصل الأمر ببعض الدول إلى حدّ فتح السجون وإرسال ما توفر من مجرمين ومهرّبين وقتلة للمساهمة في المشروع الغربي الصهيوخليجي لإسقاط الدولة السورية.
قرأت سورية وحلفاؤها الموقف بشكل سليم فكانت معركة حلب التي شكلت نقطة حاسمة في مجرى الصراع وبدأت الأمور تتدحرج وتستعيد الدولة السورية السيطرة على قسم كبير من الجغرافيا السورية.
سورية ليست دولة عادية في الإقليم فهي تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تصدّت لمشاريع الهيمنة الأميركية من خلال رفض التطبيع ومشاريع السلام المذلة مع الكيان المؤقت الذي تعتبره سورية العدو الأول لها وللمنطقة ولمشاريع التنمية فيها. إضافة لتفرّدها في دعم كلّ مقاومات المنطقة، ففضلها في حرب تموز ٢٠٠٦ أخبرنا عنه سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصرالله، ومساهمتها في غزة حاضرة من خلال تزويد المقاومة بالصواريخ ومضادات الدبابات التي منعت للآن قوات الاحتلال من الدخول البري الى غزة، عدا عن توفير مأوى مراكز تدريب لكوادر المقاومة. أما في العراق فكان لها الدور الأكبر في دعم المقاومة العراقية وتدريبها على الأرض السورية وتزويدها بالسلاح وإدخالها للعراق.
كلّ هذا جعل من سورية هدفاً لقوى الهيمنة وحلفائها في المنطقة، تعثر مشروعهم بفضل صمود سورية وبدأت تستعيد عافيتها. فانتقلت الحرب لتأخذ أشكالاً أخرى لا تقلّ ضراوة عما حصل من تدمير وتهجير وقتل بحق كلّ من وقف في مواجهة هذه الهجمة الإجرامية الظالمة. يتمّ الآن محاصرة سورية اقتصادياً بعقوبات جائرة أميركية غربية ليس لها سند قانوني أو أممي توّجت بمشروع قيصر الذي يقضي بمعاقبة ايّ دولة تتعامل مع سورية اقتصادياً.
وحتى يحكم الحصار الاقتصادي وتسدّ ايّ ثغرة في جدارة تمّ إصدار قانون جديد سمّي قانون الكبتاغون: وهو القانون الذي يطالب فيه الكونغرس الإدارة الأميركية ان تضع آليات محددة خلال ستة أشهر من تاريخ إقراره لمحاربة تجارة الكبتاغون بزعم انّ مصدرها سورية، يخصّص هذا القانون اربعمائة مليون دولار أميركي لتعزيز سلطة الدول على حدودها منعاً لتهريب الكبتاغون كما تدّعي. وفي الحقيقة يهدف هذا القانون لمحاصرة ايّ دولة تفكر في اعادة العلاقات مع سورية وتنشيط الحركة التجارية السورية.
تضمن أميركا فعالية هذا الحصار من خلال تواجدها في القواعد العسكرية في الشرق السوري وسيطرتها على آبار الطاقة من نفط وغاز، وبالتالي تمنع الدولة السورية من أهمّ مصدر من مصادر الإنتاج وهو الطاقة. إضافة لتواجدها في قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية التي تزوّد المنطقة بالإرهابيين بعد تدريبهم فيها وتزويدهم بالأسلحة، وتمنع من خلالها التواصل بين العراق وسورية كما حصل من خلال ضرب قافلة النفط على الحدود السورية العراقية المتجهة الى سورية قبل أشهر قليلة.
مطلوب من حلفاء سورية دعم سورية عسكرياً واقتصادياً… عسكرياً من أجل تحرير شرق سورية من الاحتلال الأميركي، فهذا الشرق السوري غني بمصادر الطاقة والإنتاج الزراعي مما يساعد سورية على استعادة عافيتها، ففيها من المصادر ما يغنيها عن المساعدات الخارجية وكذلك دعمها للتخلص من قاعدة التنف في الجنوب ليتمّ فتح الحدود مع العراق وتسهيل الحركة التجارية بين البلدين لما فيه مصلحة لكليهما. هذا الدعم العسكري يسمح لسورية باستغلال مواردها ويعيد النشاط لاقتصادها ويخفف الضغط الاقتصادي على الحلفاء من أجل دعمها اقتصادياً.
أما على المستوى الاقتصادي فمطلوب دعمها التامّ حتى تتحقق نتائج الدعم العسكري ببناء مقاومة فاعلة تتيح تحرير الأراضي المحتلة في الشرق السوري. المقصود بالحلفاء هنا سورية وإيران والمقاومة العراقية.
سورية العروبة، سورية النموذج في مفهوم المواطنة والنموذج في التعايش بين الطوائف تستحق منا الدعم بكلّ أشكاله.