نافذة ضوء
صلاح الرسالات بمناقبية معتنقيها وبطولاتهم
} يوسف المسمار*
إن التعاليم العظيمة لا تنتصر في النفوس، ولا تنتصر النفوس بها بمجرد تسجيلها في شهادات ولادات المواليد قسراً، وفي سجلات دوائر النفوس الدينية والمذهبية غباءً وجهلاً، بل تنتصر تعاليم المحبة والرحمة والاخاء وسائر الأخلاق الكريمة بالاكتساب الواعي المتدرج، والممارسة المتواصلة، والمجاهدة المناقبية المستمرة، والوعي المتنامي والتضحية الصادقة، والعمل الواعي الهادف الباني الدائم الذي يجعل الحياة أكثر صلاحاً وتقدّماً ورقياً وانشراحاً حتى يصل الإنسان الى الحالة التي ترضيه وتسعده ويصبح جديراً بموهبة العقل التي اختصه بها الله الخالق من دون مخلوقاته الأخرى، فيحصل بهذا رضى الخالق ايضاً بأن موهبته لم تكن عبثاً ولم تُهمل وبأن الموهوب استحقها عن كفاءة وجدارة وكان أهلاً لأن يكون متخرّجاً من متخرّجي المدرستين الروحيتين الأخلاقيتين العظيمتين مدرسة السيد المسيح ومدرسة النبي محمد، وليس من الخوارج ومدارسهم التي تتكاثر ويتكاثر أتباعها تكاثر الحشرات والمكروبات وفي جميع الاتجاهات.
نداء الحياة الصالحة
قال عالم الاجتماع والفيلسوف أنطون سعاده في كتابه الفلسفي (الإسلام في رسالتيه): «في الحديث الذي يتناول تعاليم عمومية، كما في الآيات التي يلاحظ أنَّ عوامل البيئة قيّدتها بعض التقييد، تظهر لطافة نفس النبي العربي السورية الأصل، فإذا جوهرها وجوهر نفس المسيح واحد لأنهما من أرومةٍ واحدة في الأصل، قبل أن صارت القبائل الكنعانية مستعربة، وهي القبائل العدنانية الكنعانية الأصل التي منها النبي محمد».
فيا أبناء الهلال السوري الخصيب في بلاد الشام والرافدين في فلسطين ولبنان، في الشام والعراق، في الأردن والكويت، في الوطن وعبر الحدود إن جوهر نفس المسيح ونفس النبيّ واحد، ورسالتيهما نبعتا من مصدر واحد، وهدفتا الى تمجيد إلـهٍ واحد، وتعاليمهما هدفت الى حقيقة واحدة هي نشر المحبة وتعميم الرحمة بين الناس ليتعارفوا بالمودة والمحبة، وليتعاملوا بالرفق والرحمة.
فالذين يمارسون المحبة والرحمة فيما بينهم فقد أدركوا وفهموا رسالتي المسيح ومحمد على حقيقتهما المُحبّة الرحيمة وعرفوا أن دين الحياة الإلهي الذي يصلهم بالسماء هو واحد يمكن اختصاره بثلاثة مناقب: نيات طيِّبةٌ صادقة، وألسنةٌ كلامُها لطيفٌ حكيم، وأفعالٌ صالحةٌ نافعة. فمن مارس هذه المناقب وعاشها في نهاره وليله، فقد أدرك مشيئة الله في الناس بتعزيزهم بموهبة العقل الرشيد ليمجِّدوا الله بعقولٍ واعية، وقلوبٍ مُحبَّة، وعواطف رحيمة لأن إلههم الله عليمٌ مُحبٌ رحيم.
وهذه المناقب العظيمة هي أيضاً جوهر الرسالة القومية الاجتماعية المادية الروحية الإنسانية كرسالة التعاليم الإلهية السماوية الاخلاقية التي ترفع الناس من الأرض الى السماء. وهيهات هيهات أن يفهم أصحاب النيات الشريرة، والألسنة المفتنة، والأفعال الفاسدة إلههم إلا ظالماً حاقداً، محبّاً للفتنة، وعاشقاً للشر.
يا أبناء أمتي في بلاد الشام والرفدين انقذوا أنفسكم بفهم دينكم الذي هو وعيٌ ومحبةٌ ورحمة بوعي حياتكم ومحبة بعضكم ورحمة أجيالكم الآتية تنقذوا أنفسكم وأمتكم وبلادكم، وبإنقاذ أنفسكم تنقذوا مسيحيتكم ومحمديتكم وعروبتكم، وتنقذوا أيضاً سائر الشعوب وسائر الأمم. فمن لا ينهض بنفسه لا يمكن أن ينهض به أحد. ومن يسلِّم نفسه لأعدائه لا مصير له الا الانقراض. الأعداء يريدون القضاء علينا. أما آن أن نعي ونرد الكيل للأعداء كيلين؟
التاريخ ينتظر انتفاضتكم على كلّ من جزَّأ وفرّق بينكم كشعبٍ واحد وجعلكم طوائف وشعوباً، وعلى كل من مزّق وطنكم وجعلكم أوطاناً ومناطق.
اياكم أن تتركوا عجلات الإرادات العدوة الغريبة تدور بكم، فإن فيكم قوّة اذا انطلقت فعلت وغيّرت وجه التاريخ، فاطلقوها وفعّلوها لكي لا يخجل الأبناء والأحفاد والأجيال الآتية بهذا الجيل الذي تكالبت قوى الشر عليه من داخله كما من خارجه. فصلاح الرسالات بمناقبية معتنقيها ولن تنتصر إلا بالصالحين المناقبيين الحكماء الخلوقين.
أما الذين أهملوا مواهب الله فيهم وتغذّوا بالخرافات والأوهام، وزاغت بصائرهم في متاهات الغي والبغي والضلال فلن يُنتظر منهم الا ما يُنتظر من السكارى والمجانين والمعتوهين. والويل لأمة فلاسفتها سكارى وعلماؤها نواعق، وأدباؤها خونة، وفنانوها معتوهون، وسياسيّوها عبيد، وصحافيوها سماسرة غشاشون، وقادتها مجانين.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.