إيران القوية تقف إلى جانب لبنان وشعبه واقتصاده.. فماذا يفعل الآخرون؟
} علي أحمد*
ليس جديداً القول إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتدخل مطلقاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وخاصة الدول الصديقة، لأنّ الصداقة والعلاقات المميّزة تقوم أساساً على احترام كلّ طرف لخصوصية الطرف الآخر، وهذا ينطبق تماماً على الانتخابات الرئاسية في لبنان، لأنها شأن لبناني في الصميم، وقد عبّرت إيران على أعلى مستوى بأنها تحترم إرادة اللبنانيين، مع التمني بأن ينجحوا في إنجاز هذا الاستحقاق من أجل التوصّل إلى الحلول المطلوبة للمشاكل القائمة في البلاد.
هذا الموقف تبلّغه أكثر من مسؤول غربي وعربي مباشرة من المسؤولين الإيرانيين، وقد أقرّت بذلك وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا في حديثها الصحافي قبل أيام، وقالت إنّ نظيرها الإيراني الوزير حسين أمير عبد اللهيان أكد لها أنّ طهران لم ولن تتدخل في أيّ شأن داخلي لبناني، وأن موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية يقرّره اللبنانيون أنفسهم.
طبعاً هذا ما لا تفعله دول أخرى، بل على العكس تماماً، حيث نرى سفير هذه الدولة العربية أو سفيرة تلك الدولة الغربية أو غيرهما في صولات وجولات على مسؤولين ورؤساء كتل نيابية وأحزاب وهيئات مختلفة، يتدخلون في كلّ الشؤون، يطلبون هنا ويفرضون هناك ويسوّقون لمصالحهم حتى لو كانت على حساب مصالح لبنان.
وها هو دليل تدخل الدول الأخرى في الشأن اللبناني الداخلي يتظهّر بشكل واضح في الاجتماع الخماسي المقرّر عقده بعد أيام في باريس، والذي يضمّ الولايات المتحدة الأميركية وقطر والسعودية وفرنسا ومصر التي انضمّت مؤخراً، والذي تنظمه فرنسا من أجل وضع خارطة طريق لاختيار الرئيس اللبناني المقبل، بالإضافة للبحث في تشكيلة الحكومة الجديدة برئيسها وأعضائها!
السؤال الأبرز هنا هو: هل يمكن تحقيق مصلحة لبنان بهذه الطريقة؟ أم انّ الاجتماع هدفه تحقيق مصالح الآخرين؟ الأرجح حسب مصادر مطلعة أنّ الهدف الأساسي ليس مصلحة لبنان وشعبه واقتصاده… ولذلك تلفت المصادر إلى أنّ ما يمكن أن يصدر عن اجتماع كهذا لن يتجاوز الإطار النظري لأنّ المجتمعين لا يمكنهم فرض أيّ شيء على لبنان، خاصة في ظلّ المعادلات الإقليمية والدولية القائمة، وبالتالي فإنّ الحل لن يكون إلا بين اللبنانيين أنفسهم.
كذلك يحضر هنا موضوع الكهرباء، حيث لا يسمع اللبنانيون من الأميركيين سوى الكلام الذي لا يجد طريقه إلى التنفيذ، فقبل أكثر من عام صعدت سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا إلى قصر بعبدا لتبلغ رئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال عون بأنّ لبنان بإمكانه استيراد الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن عن طريق سورية، حتى في ظلّ “قانون قيصر”، وبمساعدة من البنك الدولي الذي ينفذ بطبيعة الحال التعليمات الأميركية. والكلّ يذكر أنّ ذلك التحرك للسفيرة الأميركية أتى في نفس اليوم الذي أعلن فيه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بدء استقدام بواخر المازوت من إيران عن طريق المرافئ السورية بدون إقامة أيّ اعتبار لا لقيصر ولا لأسياد قيصر…
على هذا أساس الكلام الأميركي الذي تبلغه رئيس الجمهورية قام وزير الطاقة النشيط الدكتور وليد فياض بكلّ ما هو مطلوب وأنجز الاتفاقات اللازمة مع نظرائه في مصر والأردن وسورية، ولكن حتى الآن لم يدفع البنك الدولي وواشنطن لم تبلغ القاهرة وعمّان أنها موافقة على إعطائهما استثناء من “قانون قيصر” لتنفيذ الاتفاقات مع لبنان. وهذا ما أكده نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب من واشنطن بالأمس، بشأن رفض البنك الدولي تمويل الاتفاقات مع مصر والأردن، وبالتالي لن يرى اللبنانيون أيّ ساعة كهرباء إضافية طالما أنّ القرار هو بيد الولايات المتحدة، رغم أنّ المبعوث الفرنسي السفير بيار دوكان المكلَّف بتنسيق الدعم الدولي للبنان وعد المسؤولين خلال زيارته الراهنة إلى لبنان بالسعي لدى واشنطن من أجل تسهيل موضوع الكهرباء في لبنان.
في المقابل، قدّمت إيران جملة عروض بدون أيّ شروط لا سياسية ولا غير سياسية، أوّلها إقامة معملين لإنتاج الكهرباء، واحد في الجنوب وآخر في الشمال بمعدّل ألف ميغاوات لكلّ منهما، وهذا العرض لا يلقي أيّ عبء على الخزينة اللبنانية الفارغة والعاجزة، بل تتكفل الشركات الإيرانية بالتمويل على طريقة BOT، كما أعلنت طهران عن تقديم كمية من الفيول الإيراني كهبة للبنان، وذهب وفد من وزارة الطاقة اللبنانية بتكليف من الوزبر فياض وتمّت معاينة مواصفات الفيول ومطابقتها مع المواصفات التي تناسب المعامل القائمة في لبنان. لكن المفاجأة أتت من رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي أعلن رفض الهبة الإيرانية بحجة واهية هي العقوبات الأميركية على إيران رغم أنّ الهبات في كلّ أنحاء العالم لا تخضع للعقوبات، وها هو التعاون الإيراني مع فنزويلا خير دليل.
المواقف الإيرانية تجاه لبنان هي دليل قوة، وهذا ما ينسحب أيضاً على كلّ الملفات الأخرى، وما شهدناه مؤخراً من هجوم فاشل على المنشآت النووية في أصفهان، هو أبرز دليل على عجز الكيان الصهيوني، لأنّه أتى كردّ فعل على العملية النوعية الأخيرة التي نفذها المجاهد الفلسطيني الشهيد البطل خيري علقم في القدس المحتلة والتي قتل وجُرح فيها نحو عشرين مستوطن “إسرائيلي”، وقد هزّت العملية البطولية الكيان المعادي حيث اندفع عشرات ألوف المستوطنين الى الشوارع، رفضاً لإجراءات حكومة بنيامين نتنياهو، الأمر الذي وضعها في موقف صعب جداً، وهي في الأصل مأزومة وجودياً خصوصاً أنها أتت بعد مخاض عسير ومحاولات عديدة فاشلة ونتيجة مساومات بين أفرقائها المختلفين بشكل جذري.
أما في ما يتعلق بالملف النووي، فإنّ إيران مرتاحة إلى أقصى الحدود لأنّ وصول المفاوضلت إلى طريق مسدود سببه أنّ دول الخمسة زائد واحد المعنية بالمفاوضات لم تف بالتزاماتها، بحسب نص الاتفاق الموقع عام 2015، وسعت بما لا يدع مجالاً للشكّ نحو المماطلة، وهو ما أخّر إنجاز الاتفاق الجديد، بينما يؤكد كلّ المتابعين جدية إيران واستعدادها في أيّ وقت للعودة الى المفاوضات إذا لمست جدية لدى الأطراف الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وكما تغلبت ايران في السابق على سياسة العقوبات التي أثبتت فشلها، وبدل أن تهزمها كما كان مخططاً استطاعت أن تتغلب عليها وتحقق اكتفاءً ذاتياً شاملاً، وهي تستطيع اليوم أن تكون أقوى مع أو من دون الملف النووي الذي لم يعُد من أولوياتها.
وهنا يُشار إلى المحاولات الفاشلة لإضعاف إيران من الداخل، والتي ثبت أنّ دولاً عديدة كانت شريكة في تلك المحاولات لهزّ الأمن في الداخل الايراني، لكن الجمهورية الإسلامية بفطنتها وسياستها القادرة والهادئة، استطاعت أن تحبط كلّ تلك المحاولات وحماية البلاد من كلّ تلك الشرور.
وفي ما يتعلق بسورية والسعي التركي مؤخراً لاستعادة العلاقات مع دمشق، تشير المصادر إلى أنّ هناك جهوداً تبذل على هذا الصعيد، لكنها لم تصل بعد إلى نتائج ملموسة، لأنها تصطدم ببعض الشروط المحقة من قبل الدولة السورية التي ترى أنّ تركيا أن تبرهن حسن نواياها من خلال سحب قواتها من الأراضي السورية التي احتلتها إبان الأزمة، وقبل ذلك لا مجال لفتح أيّ باب جديد للعلاقات المنقطعة منذ زمن، ولذلك لا تزال إيران تعمل على تقريب وجهات النظر، وهناك دور روسي أساسي في هذا السياق أيضاً.
وختاماً… لا بدّ في هذه الأيام من استذكار عودة الإمام الخميني من منفاه في فرنسا الى إيران، في 1 شباط 1979، وما شهدته الأيام العشرة الأوائل من ذلك الشهر، والتي باتت تُعرف بـ “عشرة الفجر”، كونها مهّدت لانتصار الثورة الإيرانية المجيدة، التي نقلت إيران من ضفة التبعية والهوان إلى ضفة الاستقلال والقوة والمقاومة، وهو مدعاة للفخر ليس للإيرانيين فحسب إنما لكلّ أبناء المنطقة العربية والإسلامية.
*مدير موقع «صدى 4 برس»