فلسطين التاريخ… الحقيقة واجبٌ روحاني وأخلاقي أبطال المواجهة «أسودٌ منفردة»
} ميرنا لحود
لقد أخطأ من اعتقد ويعتقد أنَّ فلسطين ستزولُ لحساب الكذب والاحتيال وسلب الممتلكات وهدم البيوت وطرد السكان وترهيبهم وتعذيبهم تحت حجج ومسمّيات الأمن القومي. لن يسريَ الاضطهاد وتشريد الشعب والتنكيل أملاً بالنسيان في مطالبة العدالة لقضيةٍ تآمر عليها المستعمر تحت ضغط الحركة الصهيونية الماسونية. لا بل لقد وصل الأمر إلى مفصلٍ يُربك كلّ المتآمرين لأنَّ الحقّ لن يموت طالما هناك قومٌ جاهدٌ يطالب دوماً بحقّه والنصر حتميٌ.
لم تعد المسألة للصهيوني في حزم حقيبته لأنَّها جاهزةٌ إنما المسألة هي في حجز التذكرة. ستستمرّ الحكومة «المجنونة والفاسدة» في افتعال أعمال الاستفزازات من اغتصاب ممتلكات والتعدّي على الأطفال والنساء والكبار واقتحام باحات الأقصى وقطع أشجار الزيتون وضرب ثقافة الفلسطينيين وتراثهم. كما في المقابل فالرَّد جاهزٌ على الدوام للتصدي وهذا بديهي لأنّ الشجاعة تحكم ميزان المقاوم الذي يُتقن بإمعان لغة التوازن.
وكي لا ندخل في مصيدة الغرب، علينا أنْ نتساءل عن الدوافع التي تحكم تاريخ الغرب المستعمر وعن الأسباب الحقيقية التي يقدّمها والمقاربات التي يعرضها. الغرب لا يعطي من حسابه ولا من كرم أخلاقه، إنما ينساب كالحية من حول شجرة الجنة في الوسط ويتعاطى مع الخير كأنه شر والشر كما لو أنَّه الخير. لا يتوقف عند هذا الحدّ إنما يذهب إلى تجنيد ما استطاع من أناس ضعفاء الأنفس لتسويق الأفكار من نسج الاحتيال وإلباسها ثوب الحقيقة والديمقراطية بشكل برّاقٍ يجذب المتعطش لرُكب الأذيال ويحجز له مقعداً في ظل الأضواء البراقة الزائفة والخائبة.
من حرية التزوير إلى حرية الضغط والانتقاء حتى… التعبير السخيف
وعد بلفور ١٩١٧ يُخفي وعداً آخرَ لاتفاقية جهنمية (اتفاقية لندن السرّية ١٩١٦) التي شيئاً فشياً أدخلت العالم في حرب عالمية ثانية لا يأتي على ذكرها أحدٌ لأنها تدحض الأكاذيب. إنَّ دحض الأكاذيب يقيِّد ويُعيق عمل الأبواق القابضة على التاريخ والإعلام والساعية دوماً للتزوير وخطف القلوب والعقول لمنعها من التفكير والتحليل العاقل والسليم. فاللجوء إلى الكلام النابي هو وسيلةُ الضعيف المغتصب الذي هدفه توتير الأجواء وافتعال الفتن في المجتمع كي لا يتجرأ أحدٌ على تفنيد الأقاويل من نوع «قال أبي عن جَدّي».
من يتجرأ اليوم على القولَ إنَّ الصهاينة منذ بضعة أيام دخلوا مخيم جنين وقتلوا بوحشية ما لا يقلّ عن عشرة شهداء تاركين وراءهم جرحى وبيوتاً مدمّرةً وعائلاتٍ مشردة؟ هل يتجرأ أحد على القول إنَّ الصهيونية اقتحمت المخيم بجيش شرس وأسلحة ثقيلة لمواجهة شبان وملاحقتهم بالقنابل والسلاح الحي ولأيّ سببٍ؟ من يتجرأ ويكتب الحقيقة في بلدان «حرية التعبير»؟ هل يعرف أحدٌ أنّ هناك أقلّه أكثرَ من ١٦ جريحاً لدى الشعب الفلسطيني جراء هذه العملية وعمليات أخرى؟ هل أحدٌ يتحدث عن الترهيب لشعب مستضعَف ومسلوبة حقوقه؟
بينما فور ما خرج الشاب الفلسطيني خيري علقم موقعاً أرضاً لدى الصهاينة ما يوازي عدد شهداء الفلسطينيين الذين نال منهم الصهيوني برصاصه ليلاً حتى هبّ الإعلام العالمي لتغطية الحدث فاتحاً القنوات للبث المباشر العاجل كأنَّ قيمةَ الموت عاليةٌ لما هو غيرُ فلسطيني.
كي لا ننسى
جاء وعد بلفور نتيجة اتفاق تمَّ تنسيقه بشكل سري في مقرّ ما كان يُسمّى بوزارة الحرب البريطانية والحركة الصهيونية العالمية. وينص الاتفاق على أن تتولى الحركة الصهيونية الضغط على رئيس الولايات المتحدة آنذاك توماس وودرو ويلسون بحيث تندفع أميركا لشنّ حرب على ألمانيا. وكانت بريطانيا هي من تريد خسارة ألمانيا ودخول أميركا على خط الحرب يؤمن تلك الغلبة. طبعاً رفضت بريطانيا محاولات السلام الألمانية. وكان في ذلك الوقت قد وصل إلى أعلى منصب في القضاء الأعلى الأميركي لويس برنديس (من عناصر الصهاينة) عبر وسائل الضغط الناعم المخفي. وقبِل ويلسون تسميته مقابل تسوية ملف كان يهدّده شخصياً. وتقرَّب الرجل من الرئيس وكان يقدّم له النصائح ومن بينها شنّ حربٍ على ألمانيا. ودخول أميركا في حرب ضدّ ألمانيا يعني الخسارة الحتمية. وهو ما ترغب به بريطانيا. ولولا التدخل الأميركي لكان الجميع مجبراً على توقيع اتفاقية السلام، التي كانت تعرضها ألمانيا، في ربيع ١٩١٧.
أما المكافأة المقرّرة للصهاينة فقد كانت في تقدمة فلسطين لهم لتكون موطئاً لهم. وجاء وعد بلفور ١٩١٧. وبدأت مطالب الصهاينة تسلك مسلكاً عمودياً وأفقياً من وعد للاستلاء على الأرض حتى الاعتراف بدولة لهم على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وتراثه وممتلكاته. وجلب الاعتراف بكيانهم بنكبة للفلسطينيين عام ١٩٤٨. شُردّ الشعب من أرضه وانقسم العالم بين متآمر ومناضل، بين مدافع عن فلسطين ومطّبِع وراضخّ. وفقاً للمقولة «المال السائب يعلم الحرام» بالتوازي السرقة واغتصاب الأرض والممتلكات يوّلد كياناً فاشياً وفاسداً ومجنوناً وهذا هو الواقع اليوم في فلسطين المحتلة. «ليُحقَّ الحقّ ويُبطلَ الباطلَ ولو كره المجرمون»: مقاومة الاحتلال حقّ وواجب. حق للمناضل الذي لا يقبل الرضوخ لإخوة إبليس ولكلّ الذين يُكنُّون له الولاء وواجبٌ للمؤمنين بالله. «إذ تستغيثون رَبَّكُم فاستجاب لَكمْ أَنّي مُمِدُّكم بأَلْفٍ من المَلاَئكة مُرْدفين».