6 شباط وتفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر
ناصر قنديل
– مع إطفاء الشمعة السابعة عشرة على ولادة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ثمّة من يريد ويرغب من خصوم الفريقين، وبعض جمهورهما، في إطفاء شمعة التفاهم نفسه. وإذا كان موقف الخصوم مفهوماً لأنه رافق ولادة التفاهم، فإن السؤال هو للذين يرغبون من موقع مزاعم الحرص على من يمثلون من الفريقين، هل أن ما يفعلونه بالتفاهم، أو ما يقولونه بحق الشريك في التفاهم، يعبر عن حرص على الفريق الذي يمثلون، وعبره على مستقبل لبنان واللبنانيين، أم أنه تعبير عن مكنون عميق لديهم معادٍ للتفاهم قمعته إنجازات التفاهم، وجاء التأزم في العلاقة ليعطيهم مناسبة إخراجه للعلن، والبناء عليه للدعوة للتفلت من التفاهم، وباتجاه ماذا؟
– بالعودة الى ظروف ولادة التفاهم علينا أن نتذكر أن التفاهم ولد في شباط 2006، عندما كان حزب الله شريكاً الى جانب حليفه في الثنائي، حركة أمل، في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وكان التيار الوطني الحر خارج الحكومة، وكان المناخ السائد في البلد تحت تأثير تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري يدور حول التحقيق الدولي، وصولاً لطرح المحكمة الدولية. وفي هذا المناخ وتحت تأثيره خرج وزراء حزب الله وحركة أمل من الحكومة، عندما قرر الرئيس السنيورة التفرّد في بت شكل وإطار المحكمة، ولم يعودا إلا بعد اتفاق الدوحة ووقد أدخلا معهما التيار الوطني الحر، ليخرجوا معاً، وزراء حزب الله وأمل والتيار والمردة وسائر الحلفاء، تحت العنوان ذاته المرتبط بالمحكمة الدولية عام 2011 عندما كان الرئيس سعد الحريري في واشنطن. وهذا فقط للتذكير بأن علاقة تحالف الحزب مع أمل سبقت ورافقت تفاهمه مع التيار، ولم تكن مطروحة على الطاولة في مواجهة التفاهم، إلا في النصف الثاني من عهد الرئيس ميشال عون، بعد سقوط تفاهم التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل، عندما بدأ التيار يعتبر تحالف الحزب مع أمل عبئاً على مفهومه للتفاهم في عنوان الإصلاح وبناء الدولة على خلفية تداعيات عدم مشاركة أمل ورئيسها، رئيس المجلس النيابي نبيه بري في التصويت لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعدما انضم الى حزب الله في انتخابه تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، بينما كل الذي جرى قبل ذلك يقول إن حزب الله استثمر تحالفه مع أمل لترجمة مضمون التزاماته في التفاهم، وسعيه لتمكين التيار من نيل ما يعتبره حقه السياسي والشعبي، في تعديل قوانين الانتخابات والمشاركة في الحكومات.
– بالعودة إلى نص التفاهم، سنقع على عشرة بنود، أولها الحوار الوطني، وثانيها الديمقراطية التوافقية، وجوهر الفقرتين مكرّس للتأكيد على التمسك بتغليب التوافق العابر للطوائف على الديمقراطية العددية عندما يتصل الأمر بالبتّ في القضايا الوطنية، وربط شرعية أي ممارسة سياسية ومشروعيتها بدرجة نجاحها في تأمين نصاب وطني عابر للطوائف، ومن موقع هاتين الفقرتين كمدخل للتفاهم، أهميتهما في البنيان السياسي للتفاهم، وطريقة النظر لسائر بنوده، التي تبقى محكومة بهذا الشرط الميثاقي، سواء في مقاربة قضايا بناء الدولة أو الإصلاح السياسي والأمني، حيث سقف الخطوات ترسمه درجة ميثاقيتها، وليس فقط مضمونها الإصلاحي، أي بناء أغلبية عابرة للطوائف قادرة على توفير الحماية التوافقية لها. وهذا قيد على مطالبات التيار للحزب بحجم ما يمكن فعله تحت هذا العنوان، وهو ما احترمه التيار في مرحلة التفاهم مع الرئيس الحريري، وبالتوازي التزام من الحزب بتصحيح المسار الحكومي لصالح تمثيل التيار الذي كان إصرار خصومه على إبقائه خارج الحكومة مناقضاً للديمقراطية التوافقية، وقد أوفى الحزب بالتزامه مستثمراً على تضامن حليفه في الثنائي حركة أمل لتحقيق هذا الالتزام خلال عشر سنوات فصلت بين توقيع التفاهم ووصول العماد ميشال عون الى الرئاسة.
– في البند الثالث حول قانون الانتخاب، والبند السادس حول اللبنانيين في كيان الاحتلال، والبند الثامن حول العلاقات اللبنانية السورية والبند التاسع حول العلاقات اللبنانية الفلسطينية، أوفى حزب الله بالتزامه في هذه البنود، فرمى بثقله لإنتاج قانون الانتخاب لمرتين وفقاً لمقتضيات مفهوم للتمثيل يلبي ضوابط ومعايير التيار الوطني الحر مسيحياً، وفقاً لمفهوم الديمقراطية التوافقية، وضبط مواقفه من قضية اللبنانيين الذين التحقوا بكيان الاحتلال بما يستجيب لمناخ جمهور التيار ومصالحه أكثر مما يستجيب لمناخ جمهور الحزب ومخاوفه، وكذلك في العلاقات اللبنانية السورية جاء التمثيل الدبلوماسي لسورية في لبنان بنسبة كبيرة منه استجابة للعلاقة الاستراتيجية لسورية بالمقاومة، بمثابة هدية للتيار الوطني الحر وإنجاز لصالح منطقه على حساب النظرة التاريخية لسورية والتيار القومي عموماً للعلاقة بين البلدين وسبل إدارتها، وبالتوازي في العلاقات اللبنانية الفلسطينية تم إنهاء ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بتأثير مكانة المقاومة لدى القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بينما لم ينجح التيار رغم وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة بإطلاق ورشة تصحيح العلاقات اللبنانية السورية وتعزيزها، ولا بتطبيق ما يطال تحسين الظروف الاجتماعية للفلسطينيين في لبنان وفقاً لنص التفاهم، وتفهم حزب الله هذا العجز والظروف التي حالت دون الإنجاز، وصلتها بمفهوم الديمقراطية التوافقية.
– مقابل ارتباط إنجاز أي تقدم في ملفي “المسألة الأمنية” و”المفقودون في الحرب”، اللذين خصص لهما التفاهم الفقرتين الخامسة والسابعة، بسقف الديمقراطية التوافقية وما يتجاوز قدرات الفريقين وحلفائهما، وهم غالباً حلفاء الحزب، أوفى التيار في حرب تموز 2006 بصورة باهرة بما تضمنته الفقرة العاشرة والأخيرة من التفاهم، التي تحمل عنوان حماية لبنان وصيانة سيادته، وتحمل التيار الكلفة الناجمة عن هذا الالتزام، وصولاً للعقوبات التي فرضها الأميركيون على رئيسه، وحقق التيار والحزب نجاحاً تاريخياً في ملف ترسيم الحدود البحرية، بقوة المقاومة ورعاية الدولة في ظل عهد الرئيس ميشال عون، بصورة تحقق مضمون هذه الفقرة.
– المراجعة الدقيقة للتفاهم، تفيد بأنه حقق أكثر مما وعد به، خصوصاً لجهة التزامات حزب الله، وأن كل ما يخص الحديث عن الفشل في تنفيذ ما نص عليه التفاهم لجهة بناء الدولة والإصلاح ومكافحة الفساد، هو تعبير عن فهم خاص بالتيار يراه الحزب كسراً لمفهوم الديمقراطية التوافقية، التي راعاها التيار والتزم بموجباتها في مرحلة تعاونه الرئاسي مع الرئيس سعد الحريري، ولم يضع الحزب موقف التيار في خانة المحاصصة الطائفية، بل الحرص على الديمقراطية التوافقية، بخلاف ما يقوله التيار عن علاقة الحزب بحركة أمل من اتهامات بأولوية طائفية، متجاهلاً أن العلاقة بين الحزب وأمل كانت الركيزة التي تمكّن عبرها الحزب من تشكيل ميزان قوى ضامن لتحقيق الإنجازات التي تميل كفتها لصالح التيار، من تاريخ دخوله إلى الحكومات إلى إقرار قوانين انتخاب تلبي تطلعاته، وعندما كان الوفاء بالالتزام بالتفاهم يتناقض مع التحالف مع حركة أمل، لكنه يحظى بشرط الديمقراطية التوافقية، كما في حالة انتخاب العماد عون لم يعانِ الحزب في التوصل الى التفاهم مع أمل على إدارة الخلاف، بما يتيح له التصويت للعماد عون بصورة مخالفة لما فعلته حركة أمل، بينما هو يعجز عن الحصول على تفهّم التيار لموقف مماثل في إدارة الخلاف والتصويت المختلف تحت سقف التحالف.
– ما يحتاجه التيار والحزب في هذه المرحلة، هو الإقرار بحجم الإنجاز الذي حققه التفاهم من جهة، وعدم بخس التفاهم حقه قياساً بأغلب الأوراق السياسية التي خرجت بها أطراف لبنانية وبقيت حبراً على ورق، ومن جهة موازية إعادة صياغة الحدود الفاصلة بين إدارة معارك بناء الدولة والديمقراطية التوافقية، ورسم ضوابط إدارة الخلاف بين الحليفين في قلب هذه المعارك، وصولاً إلى تقديم جواب حول كيفية تطبيق معايير الديمقراطية التوافقية على الانتخابات الرئاسية، سواء لجهة الجانب المسيحي منها ومعيار التمثيل، أو لجهة الجانب الإسلامي منها ومعيار التوافق، أو لجهة درجة تطبيق نصوص التفاهم على مواصفات الرئيس المطلوب من الطرفين.
– للتذكير مقولة أكررها وأتمسك بها، “ليست السياسة ادارة حلف تكتيكي بين حليفين استراتيجيين ولا إدارة خلاف تكتيكي بين خصمين استراتيجيين، انما السياسة هي فن وعلم إدارة خلاف تكتيكي بين حليفين استراتيجيين، وعلم وفن إدارة حلف تكتيكي بين خصمين استراتيجيين”، والديمقراطية التوافقية تمنح لهذا المفهوم للسياسة قيمة مضافة، بل ان بديهيات السياسة تميز بقوة بين برامج الأحزاب والتيارات، وجدول أعمال كتلها النيابية القائمة أصلاً على نسج التحالفات وطرح السؤال الدائم عن كيفية تكوين الأغلبية اللازمة لأي بند من بنود برنامجها، وترك المبدئي منها لخطاب الحزب أو التيار وخطابه الإعلامي وتعبئته الاستراتيجية، دون تحويله الى بند حاضر إجرائياً إلا بقدر امتلاك خريطة طريق لتكوين أغلبية حوله، فهل يقوم الحزب والتيار بمساءلة نفسيهما عن العلامة التي ينالها كل منهما على أدائه تجاه التفاهم من هذا المنظار لمفهوم السياسة، وهل يسأل الذين ينكلون بالحليف بداعي الحرص على الطرف الذي يمثلون، عن المكان الذي يأخذون جمهورهم إليه، وهل لدى الذين يتحدثون عن فك التفاهم من جمهور الطرفين بديل أفضل لمن يدعون تمثيله، وهل ينتبهون أنهم يعيدون التيار مسيحياً ويجعلون الحزب شيعياً، ويخلعون عن كل منهما نسبة كبيرة من وطنيته؟
– ليس من الإجحاف بحق الوطن القول إنه إذا كان تسريع الاستحقاق الرئاسي يستدعي إلحاق الأذى بالتفاهم، وإذا كانت حماية التفاهم تستدعي منح المزيد من الوقت لجدول الأعمال الرئاسي، فإن الاستحقاق يستطيع أن ينتظر التفاهم، والتفاهم لا يستحق الإعدام كرمى لعيون الرئاسة، لأن التكتيكي يجب أن يخضع لحساب الاستراتيجي، والرئاسة محطة تكتيكية والتفاهم بناء استراتيجي، ولأننا ممن يؤيدون ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، نقول إننا نريد لرئاسته أن تكون مدخلا نحو مرحلة نوعية جديدة وطنياً وهي لن تكون كذلك إذا سقط التفاهم شهيداً على الطريق اليها، واذا كان مفهوم التيار للإصلاح يعني فك التفاهم، فأي إصلاح هو الذي يُختزل باللامركزية، التي لم ترد أي اشارة إليها في فقرة من 276 كلمة حول بناء الدولة في نص التفاهم، واللامركزية بدون التفاهم ليست إلا ترجمة لنظرية “ما بيشبهونا”، و”لكم لبنانكم ولنا لبناننا” بالمفهوم الطائفي التقسيمي الضيق. فهل هذا هو التيار الوطني الحر ومشروعه الإصلاحي، أم أن هذا هو الكمين القواتي الكتائبي التاريخي للتيار؟
– قليل من الماء البارد على بعض الرؤوس الحامية.