الرباعية ومسؤولية المبادرة الآن
ناصر قنديل
– قبل أسبوع أعلن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف عن انضمام إيران الى الثلاثية الروسية السورية التركية الخاصة بترتيبات العلاقة الثنائية السورية التركية، لتصير رباعية روسية إيرانية تركية سورية. وهذا يعني أن المبادرة الروسية التي كانت تستهدف ترتيبات العلاقات التركية السورية ومن ضمنها مستقبل الأوضاع في منطقتي شمال شرق سورية وشمال غرب سورية قد حققت التقدم المطلوب لتنضم إيران إلى المبادرة، وهي موجودة أصلا في مسار أستانة الذي تأسست عليه المبادرة الروسية، والتقدم الذي كانت تنتظره إيران يتصل بالتوصل إلى موافقة تركية على مطلبين تتمسك بهما سورية، الأول الالتزام بالانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية ضمن جدول زمني يتفق عليه الطرفان السوري والتركي وتضمنه روسيا وإيران. والثاني السير بالتوازي بإجراءات تفكيك الكانتون الكردي شمال شرق سورية، وتفكيك سيطرة الجماعات الإرهابية شمال غرب سورية، وضم الجماعات السياسية الراغبة في الشرق والغرب إلى المسار السياسي.
– كلام وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد عن عدم وجود أي تعاون إنساني بين سورية وتركيا رغم أنه مطلوب، علامة على نظرة سورية تعتبر ان الكارثة الإنسانية التي أصابت البلدين يجب أن تشكل دافعاً لتسريع روزنامة التعاون. ورزنامة التعاون التي تفرضها الكارثة الإنسانية، تنطلق من حقائق ووقائع أهمها، أن تركيا التي كانت ترغب بالتخلص من عبء النزوح السوري باتت أكثر حاجة لذلك، وأن تركيا التي كانت تعتبر سيطرتها على شمال غرب سورية مصدر قوة تجده اليوم مسؤولية وعبئا تعجز عن تلبية متطلبات الإغاثة فيه، وأن الجماعات المسلحة التي تعمل تحت رعاية تركيا والجماعات الإرهابية التي تسيطر على المنطقة، غير مؤهلة على كل الأصعدة للتعامل مع حجم الكارثة، وأن المعونة الرئيسية التي يمكن أن ترد الى سورية تستند الى الدعم الروسي والإيراني. وهذا يتيح البحث الجدي ببدء ترجمة مهام الرباعية بالإشراف الأمني والخدمي والإنساني على منطقة شمال غرب سورية، ما يمهد لتركيا سحب قواتها تدريجيا وقد باتت تحتاجها داخل تركيا أمام حجم الكارثة، وتسليم المنطقة للجيش السوري الذي يوفر البيئة الآمنة لعمليات الإغاثة ويملك الخبرة اللازمة والمقدرات التي تتيح له ادارة عمليات الإنقاذ، وتعاون سوري تركي إيراني روسي في عمليات الإنقاذ والإغاثة.
– السياسة في عمقها الأخلاقي تستند الى البعد الإنساني، وما حملته الكارثة التي نتجت عن الزلزال، يجب أن يضغط على الضمائر ويعيد ترتيب الأولويات، ويكشف لصناع السياسة أن أكثرهم أهمية هو أكثرهم إنسانية وتمسكاً بالقيم الإنسانية، وأن أضعفهم وأحقرهم هم الذين يستثمرون في المآسي ولا يأبهون للمعايير الأخلاقية. وهذا هو حال الغرب في تعامله مع كارثة الزلزال، والعجز عن تجاوز الأحقاد والمصالح الرخيصة رغم مشاهد الموت وما تحمله من معان وما تطلقه من دعوات، تكشف معادن الساسة، وفي كل الأحوال يجب القول إن الفرصة تبقى متاحة للتصحيح، فالعقوبات سوف تسقط أمام هول الكارثة ما لم يسقطها أصحابها فيسارعوا إلى تقديم سقوطها كتعبير أخلاقي، أما على الضفة التركية فطالما أن القرار السياسي الكبير باعتبار البقاء في سورية لم تعد له قيمة استراتيجية وان الانسحاب صار على الطاولة، وأن التعاون مع الدولة السورية هو طريق حفظ الأمن الاستراتيجي لتركيا، فكل المطلوب هو امتلاك شجاعة تسريع ترجمة هذا القرار واتخاذ البعد الإنساني سبباً لذلك.
– الذين يتضامنون مع سورية ويشعرون بآلامها، لا يرغبون أن يفرض عليهم ذلك شعور الضغينة تجاه تركيا، في لحظة لا يرغبون فيها أن تتوزع مشاعر التضامن وتتصادم، وأن يضطروا للقول إنهم متضامنون مع الشعب التركي لا مع حكومته ورئاسته.