الزلازل والإنسانية على مقياس ريختر
} م. مدحت أبو الرب
زلزال مدمّر ضرب المنطقة بين سورية وتركيا، فترك ضحايا ودماراً وتشريداً ومعاناة لا يمكننا إلا أن نتعاطف مع ضحاياه ونقدّم التعازي لأهلهم سواء في سورية أو تركيا.
لا يختلف هذا الزلزال في تأثير دماره عن الزلزال الإرهابي الذي ضرب سورية منذ ٢٠١١، الفرق بينهما انّ الزلزال الأخير جاء بقرار خارج عن إرادة البشر. أما الزلزال الإرهابي فكان بقرار أميركي غربي وبأياد عربية خاضعة للغرب لتدمير سورية بما تمثله من رفض للهيمنة الأميركية، ورفض لوجود أحد أدوات الهيمنة في المنطقة وهو الكيان الصهيوني.
رفضت سورية الهيمنة من خلال رفض كلّ مشاريع التطبيع ورفضت مشاريع السلام المجحف الذي تحاول أميركا فرضه كما فرضته على مصر والأردن وعلى لبنان في اتفاق ١٧ أيار قبل إسقاطه.
ومن وسائل سورية لرفض الهيمنة كان دعم كلّ مقاومة ترفع السلاح في وجه الكيان المؤقت دون النظر لطائفتها او مذهبها او ايدولوجيتها، يكفي ان تكون مقاومة توجه السلاح ضدّ العدو. وعندما حضر الأصيل الى العراق وتواجد بقواته العسكرية كان لسورية الفضل الكبير في دعم المقاومة العراقية بالسلاح والتدريب والإيواء رفضاً لهذا الشكل من أشكال الهيمنة المباشرة.
تعرّضت سورية للزلزال الإرهابي لأنها قاومت وشكلت نموذجاً للدولة الوطنية التي تقاوم الهيمنة ولها قرارها المستقلّ وتعيش في وضع اقتصادي جيد خالياً من الديون الخارجية التي تنتقص من سيادة الدول الأخرى. هذا النموذج للدولة الوطنية لا يمكن ان تقبل به أميركا، وهو النقيض لمشروعها في الهيمنة.
الزلزال الإرهابي الذي ضرب سورية لم يسبق له مثيل في التاريخ فجنّد له مئات الآلاف من المرتزقة وخريجي السجون ومغسولي الأدمغة إضافة لمئات المليارات من الدولارات صاحبتها فتاوى غب الطلب من شيوخ تاجروا بالدين وباعوا دينهم وضمائرهم.
سكن الزلزال الإرهابي بفضل صمود سورية شعباً وقيادة، لكن أميركا التي هُزم مشروعها لا تتوانى عن استعمال كلّ أدوات الإجرام لتحقيق هيمنتها، فانتقلت إلى حرب تجويع الشعب السوري من خلال فرض العقوبات كان آخرها «قانون قيصر» تلاه قانون «الكبتاغون» الذي يتيح لها التدخل المباشر في الأراضي السورية تحت ذريعة منع التهريب ورصدت لذلك 400!
كان الأوْلى والأجدى صرف هذا المبلغ في دعم أجهزة تطبيق القانون في سورية والدول المحيطة لمنع التهريب، لكن تحت ذريعة منع التهريب يُراد تجويع الشعب السوري وإطباق الحصار عليه.
نعم هي عقوبات على الشعب السوري وليس على الحكومة السورية، فأميركا تعلم تماماً انّ العقوبات هي معاناة وفقر للشعوب، وهي تكذب وتعلم أنها تكذب عندما تقول إنّ العقوبات هي على الحكومات، وما تريده عملياً هو تأليب الشعوب من خلال المعاناة والعوز لتنقلب على حكوماتها، فهي تعاقب الشعوب لأنها لم تساعدها في فرض مشاريع الهيمنة. وتزداد العقوبات شدة كلما زاد احتمال الشعوب للمعاناة، فالإجرام الأميركي لا تحدّه حدود.
هذه العقوبات تفرضها أميركا بقرارات ولكن تنفيذها يتمّ للأسف بأيد عربية وغير عربية، سمحت لنفسها أن تشارك في معاناة الشعب السوري وتساهم في حصاره وتجويعه.
الآن جاء الزلزال الطبيعي ليزيد من معاناة الشعب السوري العظيم ويفرض على الدولة مزيداً من الضغوط لمواجهة آثاره، وهي لا تملك ما يكفي من الموارد لذلك ليس بسبب الفساد ولا قلة الحيلة ولا عدم التخطيط للأيام الصعبة بل بسبب الحرب الإرهابية التي شنت عليها وتبعها الحصار الاقتصادي، إضافة إلى منعها من استغلال موارد الطاقة والإنتاج الزراعي في الشرق السوري نتيجة الاحتلال الأميركي المباشر للمنطقة، والذي يمنع مرور المساعدات من الحدود العراقية ويقوم بقصف القوافل الإنسانية التي تمرّ عبر الحدود.
أميركا بعد الزلزال الطبيعي تطالب بفتح الممرات على الحدود التركية السورية لتقديم المساعدات، وهي بذلك تحدّد ما هو مسموح به من مساعدات ومن طرق توصيلها،
فهي لا تريد لها ان تمرّ من مطارات حلب ودمشق ايّ عن طريق الدولة الشرعية، إمعاناً منها في الإجرام والظلم بحق الشعب السوري ومحاولة التفريق بين الشعب السوري في مناطق سيطرة الإرهابيين ومناطق سيطرة الدولة السورية، تحقيقاً لهدف فرض العقوبات على سورية.
جاء الزلزال الطبيعي ومعه تأتي الفرصة لكلّ من يمتلك الشجاعة لينتهز الفرصة ويكسر قيود الحصار، فسورية بحاجة لكلّ مساعدة إنسانية، والإنسانية لا تتحزأ، فكما تحتاج تركيا مساعدات تحتاج سورية مساعدات، ولا عذر لأحد فالمأساة كبيرة وتحتاج لتضافر كلّ الجهود للدعم. فهل يغتنم أشقاء سورية الفرصة؟
ريختر يقيس شدة الزلازل عند حدوثها، لكنه لا يقيس بعد ذلك مستوى الإنسانية من خلال ما يتمّ تقديمه من تعاطف ودعم ومساعدات لتخفيف آثاره… وليته يفعل لتنكشف كلّ الأوراق.