زلزال سورية ووصمة العار وحصارها دليل حريتها
} منجد شريف
كلّ مفردات اللغة لا تستطيع التعبير عن مأساة الشعب السوري، وحجم معاناته، فمع انتشال كل جثة من ضحايا الزلزال وكلّ جريح، وكلّ حي منكوب، يعتصر القلب ألماً وقهراً وحزناً على شعب يختصر كلّ معاناة العالم.
لم تكن تكفيهم المؤامرة الكونية على بلادهم بذريعة الديموقراطية، وما اقترفته أيادي الغدر الغاشمة بمسميات مختلفة، لمدّعي الديموقراطية، والإسلام، وما تسبّبوا به من فظائع بحقّ العزل من أبنائها المسالمين، من الذين لم يغرّر بهم، وما لحق بهم من تهجير، وحروب ودمار، وما فاقمه «قانون قيصر» الجائر من معاناة أخرى، جراء العقوبات المفروضة على كلّ من يفكر في مدّ يد العون لهم من بلدان وهيئات إنسانية، لـ «تجود» عليهم الطبيعة بكارثة أخرى.
ولم تكن تنقصهم، بعدما عاد البعض منهم، من رحلة الذلّ والهوان إلى غير بلدان، وهم من المؤمنين ببلدهم ودولتهم، وبعدما انتهت الحرب في البعض من مناطقهم، وسنحت لهم فرصة العيش في بلدهم الأم وتحت رعاية دولتهم، ولو في عز مواجهتها لأعتى الحروب الكونية عليهم، وجورها وجور العقوبات اللإنسانية بحقها، لم يكن ينقصهم سوى غضب الطبيعة ليكتمل المشهد والفصل الأخير من فصول عذاب هذا الشعب الحي الطيب.
وليس أدعى للاستهجان سوى حال الإرباك عند البعض من البلدان العربية في مدّ يد النجدة لإخوة لهم في الدم والعروبة والإنسانية، خوفاً من أن تطالهم يد العقوبات من القانون الجائر إياه.
إنها حسرة كبيرة أن تعمل حساباً لقانون جائر في عز كارثة طبيعية وإنسانية، فكأنها مأساة كربلاء عندما قاوم الإمام الحسين وهو أعزل جحافل بشرية دفاعاً عن دين جده، وما زال مصرعه يشعّ كرامة ومثالاً حياً لكلمة الحقّ في وجه السلطان الجائر، وأهمية سورية اليوم تكمن في مواجهتها الراهنة، فحصارها دليل حريتها، وصمودها أمام أعتى الحروب على شتى صنوفها.
هي اللا الأبدية بوجه كلّ سلاطين الزمان الجائرة، ستبقى سورية قلب العروبة النابض، وسيبقى شعب سورية الشعب الأبي الشامخ، وستتغلب سورية على أعدائها، وربما أتى غضب الطبيعة من الله ليكشف زيف الادّعاء لمن ضللوا البعض من هذا الشعب المسكين بإسم الحرية والديموقراطية، وجعلوهم في مواجهة دولتهم، فها هي اليوم أيادي «الديموقراطية» التي امتدت لتعيث في سورية خراباً ودماراً قبضت عن شعبها الطيب انصياعاً لقانون جائر، فأين تلك اليد التي موّلت بمليارات الدولارات لتدمير سورية وتهجير شعبها تحت مسمّى الديموقراطية والربيع العربي؟!
أين جامعة الدول العربية من هذه الكارثة؟!
أين إنسانية الدول الغربية في نجدة شعبٍ منكوب جراء كارثة طبيعية من كوارث الطبيعة؟
ما هذه الإزدواجية في التعاطي مع هذا الحدث الإنساني بين ضحايا الزلزال في كلّ من سورية وتركيا؟!
كفكفوا أيها الأشقاء جروحكم، انفضوا عنكم غبار الزلزال والحروب على أنواعها، العسكرية منها، والاقتصادية، ومهما طال ظلام الباطل، فلا بدّ من أن تشرق شمس الحقيقة يوماً ما، وكما أصبحت كربلاء أمثولة الحق بوجه الباطل، ستكون سورية العبرة نفسها في الآتي من الأيام، وستعود سورية إلى دورها ومكانتها، وستبقى قلب العروبة النابض، والموقف المخزي في عز الكارثة الطبيعية للزلزال الذي ضربها وصمة عار في تاريخ كلّ من تردّد في مدّ يد العون الإنسانية قبل الأخوية.