سورية وإنسانيّة المطبّعين (السّامية)!
} شوقي عواضة
لم يهتزّ ضمير الغرب (السّامي) جراء الزّلازل التي ضربت المناطق السّورية والتّركيّة مثلما اهتزّ لأميركا عندما اجتاحتها الأعاصير على مراحل وسنوات متعدّدة. لم تجرؤ الأمم العوراء المتحدة التي لم ترَ إلّا بعينٍ واحدةٍ ما أصاب تركيا من دمارٍ وسقوط ضحايا في حين كفّت عينها الأخرى عن مشاهدة ما حلّ بسورية من كوارثَ نتيجة الزّلازل نفسها. ولم تثر (النّخوة العربيّة) متسابقة بشهامتها لتضميد جراح قلعة العروبة وقلبها سورية. كما فعلوا حين تبارز (النشامى) سعياً لكسب رضا سيّدهم الأميركيّ ويحتلّون المراتب الأولى في تقديم المساعدات الإنسانيّة للولايات المتحدة الأميركيّة على أثر إعصار ماثيو أو كاترينا وفلورانس عام 2018 حيث صنّفت الدّول العربيّة بالأولى في تقديم المساعدات على مدار السّنوات التي ضربت الأعاصير أميركا. أمّا في سورية صمّت الآذان العربيّة وكفّت عيون من جادوا بأموالهم في (الرّبيع العربي) وسخوا بهباتهم من انتحاريين ومرتزقة لتدمير سورية.
أمّا إنسانيّة أوروبا الاستنسابيّة والمجتزأة فقد عصف بها الزّلزال الذي حطّم العقوبات الأميركيّة وحطم هامة قيصر الأميركي على أعتاب دمشق، ومعه فقد ذلك الغرب وفي مقدّمته أميركا وأوروبا إنسانيّته التي تتوهّج تضامناً مع تل أبيب في مواجهة الشّعب الفلسطيني الأعزل وتزداد شعلتها توهّجاً في تركيا ومع كلّ من يتحالف مع الكيان الصّهيوني أو يسخّر نفسه لخدمة المشاريع الأميركيّة في المنطقة. بالرّغم من ذلك لم يخلُ الأمر من وقوف الشّرفاء إلى جانب سورية التي وقفت تاريخيّاً ولا زالت بعزمٍ وحزمٍ إلى جانب قضايا العرب والمسلمين وفي مقدّمتها القضية الفلسطينيّة التي لا زالت حتى اليوم تدفع ثمن تبنّيها للقضية غير آبهة بكلّ العقوبات والحصارات الأميركيّة التي حطّمها الشّرفاء والأحرار من الأمة بدءاً من طهران التي كانت أوّل المبادرين لإرسال المساعدات وفرق الإنقاذ وفتح جسرٍ جوي بين طهران ودمشق مروراً بالعراق ولبنان الذي يواجه عقوباتٍ أميركيّةً لم تمنعه من اتخاذ قرارٍ رسميٍّ عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإرساله فرقاً من الصليب الأحمر والجيش اللّبناني إلى سورية للمشاركة في عمليّات الإنقاذ إضافةً، إلى تكليف وزير الأشغال العامّة علي حمية بتشكيل وفد ضمّ وزراء الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، الأشغال العامّة والنقل علي حمية، الشّؤون الاجتماعيّة هكتور حجار، والزّراعة عباس الحاج حسن، الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير ومدير العناية الطّبية في وزارة الصّحة جوزف حلو لزيارة دمشق من أجل التباحث في المساعدات وعمليّات الإغاثة والمساعدات الإنسانيّة التي بادرت إليها بعض الجمعيّات الأهليّة والمؤسّسات الرّسمية في لبنان. إضافةً إلى تكليف وفدٍ آخر الذهاب إلى تركيا والمساعدة في عمليّات البحث وتقديم المساعدات.
رغم كبر المأساة في سورية وتركيا ثمّة ازدواجيّة في المعايير على المستوى الدّولي والإقليمي في التّعاطي بين البلدين اللذينِ جمعتهما كارثة الزلازل فالدّول العربية والغربيّة التي قدّمت الملايين من الدّولارات لتمويل المنظمات الإرهابيّة في سورية من داعش وغيرها هي ذاتها التي تؤيّد الحصار والعقوبات على سورية التي أفشلت مشروعها الإرهابي وخرجت منتصرة.
رغم كلّ ذلك فإنّ صعوبة الوضع الإنساني نتيجة حصار قيصر والزّلازل تضع كلّ الدول الملتزمة بقانون قيصر أمام موقفٍ تاريخيٍّ يدفعها لتأكيد إنسانيّتها من خلال المبادرة إلى إرسال المزيد من المساعدات لا سيّما الدّول الأوروبيّة وبعض الدّول العربية التي ألزمت نفسها بقرار العقوبات الأميركيّة على سورية لعدم إدراكها أنّ الإنسانيّة استثناء في الحروب لا تخضع لحصارٍ أو عقوباتٍ وأنّ المبادرة للعمل الإنسانيّ لا يحتاج إلى توقيع بروتوكولاتٍ أو اتفاقياتٍ فهو خارج عن إطار التبعية لأميركا وغيرها وإلّا فليعلم الجميع أنّه لا معنى لإنسانيّةٍ ممهورةٍ بختم البيت الأبيض ولا قيمة لها إنْ لم تغث ملهوفاً وتضمد جراحاً وترسم بسمةً على وجه منكوبٍ وبائسٍ.
تلك هي إنسانيّة سورية التي فاضت على العرب والعالم ودونها تسقط كلّ معايير الإنسانيّة المزيفة التي ينشدها الغرب سمفونية يتراقص على أشلاء ضحايا كلّ الظالمين.