الوعي الشعبي في مواجهة فعلية مع مخططات الغرب الخبيثة
} طارق الأحمد*
تصاعد في الآونة الأخيرة، وتحديداً إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب الشمال السوري من حلب إلى لواء اسكندرون وعينتاب واللاذقية، الحديث الكثير حول عمليات فساد كبرى وبيع مساعدات ومعونات وسرقة أموال المتبرّعين، واستخلاص نتيجة سريعة تبتغي لجم الحالة العارمة التي تريد مساعدة الجرحى والمشرّدين والجائعين من الناس المكلومين في أكثر المناطق تأثراَ جراء الحادث الأليم.
يمكن بمناسبة هذه الحملة المنظمة تسجيل ملاحظات عدة وهي:
أولاً: تناقل أخبار بأرقام على الفيسبوك لمتبرّعين مشهورين في حقلي الرياضة والفن مثل ميسي ورونالدو وجون سينا وغيرهم مع عدم تسجيل أيّ فعل محدّد يؤكد ذلك حتى كتابة هذا المقال.
ثانياً: لحق ذلك مباشرة/ حدث كلّ ذلك في الأيام الثلاثة الأولى للزلازل/ مقالات وفيديوات تتحدث عن الفساد والسرقة، وانّ هذا المال الذي أتى إلى الدولة يكفي لإعادة إعمار سورية، وهنا أنا أنقل حرفياً ما جاء في مقالات كتبت وتمّ تناقلها، ثم تمّ سؤالي عن هذا الأمر حرفياً على هواء الفضائية السورية وأجبت عنه.
ثالثاً: يلاحظ من الجهات التي صدرت منها هذه المقالات والتعليقات أو دعمتها بكثرة بأنها أقرب إلى نفس دول الغرب التي تقاعست إلى الآن في مدّ يد العون إلى المحتاجين رغم كونهم الأكثر سيطرة على منظمات الأمم المتحدة ودول الغرب بدءاً من أميركا تبدي الاهتمام الأكبر عادة بأحداث كهذه، أما هنا في سورية فقد انتظر الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الصحة العالمية خمسة أيام حتى بدأوا بالتحرك.
رابعاً: في شأن الفساد، ليت طلاب الدراسات العليا يشتغلون في البحث عن مشاريع الإغاثة التابعة للأمم المتحدة حول العالم ويستخرجون الأرقام الحقيقية للمبالغ المعلنة في كلّ برنامج وحقيقة ما يصل منها للناس. هنا ستكون الأرقام صادمة ومخيفة، فلقد سمعت عن بعض البرامج التي لا يصل المستفيدين منها حتى عشرة بالمئة من حقيقة الأرقام فيما تذهب جلّ النفقات كرواتب للموظفين الأممين الذين يسكنون الفنادق الفخمة المؤمّنة حتى أيام الحروب، وقد عشنا مثالاً صارخاً عن لجان أممية بقيت أياماً في فندق «فورسيزنز» رافضة التحرك إلى موقع الحدث، وأتحدث هنا عن وقائع وأدلة موجودة لمن يريد الاستزادة.
خامساً: دُعيت مرة لإلقاء محاضرة حول أعمال الإغاثة في سورية، وقد اخترت عنواناً لها، دور برنامج الأمم المتحدة في تهيئة وتأجيج الحرب في سورية عن طريق تحويل الشعب إلى متلقي إعانات، وفي جملة ما سقته كان أدلة حول منع البرامج من التحوّل إلى الإنتاج واكتفاء العائلات ذاتياً من خلال تنمية المشروعات، حيث لم يفعلوا ذلك سوى مؤخراً وبأرقام هزيلة نسبة إلى باقي المشاريع وذلك للتغطية على سياسات مرسومة لهم من قبل الدول المتحكمة كما أرى.
سادساً: إنّ الغاية الأساسية من هذه الحملة التي أعتبرها منظمة، هي التصدّي للآثار العكسية التي فوجئ بها الغرب، ومنهم الإدارة الأميركية والفرنسية تحديداً، حيث لم يكن في حسبانهم حقاً حصول هذا التعاطف الشعبي ليس من الدول الحليفة لسورية أثناء الحرب فحسب وإنما من دول كانت تأخذ الحياد أو تقع في نسق الحلف الغربي فعلاً، وقد بدأ العمل الشعبي فيها يتعاظم كاسراً فيها المحرمات والحدود، ومُشكلاً ظواهر شعبية عظيمة ووعياً جديداً أصبح يعتبر كلّ من لا يتفاعل مع آلام السوريين خاضعاً لتأنيب الضمير الفعلي، ويبدو أن تحليل ذلك الأمر عندنا لا يقتصر على تاريخ حدوث الزلزال بل هو فتح لجروح شعبية تشكلت في اللاوعي الجمعي لهذه المجتمعات من بغداد إلى الجزائر وعمّان وتونس والقاهرة ومسقط وأبو ظبي واستمرّت في بيروت كما كانت دوماً، وقد جاء الزلزال بمثابة الفرصة الكاشفة لانطلاق عملهم الإنساني والضميري والأخوي في التلاحم مع آلام كلّ السوريين وليس في الشمال المنكوب فقط، وبالتالي فإننا حقيقةً نعيش مع الألم آمالاً جديدة لبلسمة الجراح السورية.
ويمكن لمن يعرف في الداخل ما حصل مع فزعة حوران التي بدأت قبل حدوث كارثة الزلزال بأسابيع كحالة محلية (منعزلة عن الحكومة) تتعلق بجمع التبرّعات لتحسين ظروف الحياة في درعا وما حولها، وكيف تحوّلت إلى تكاتف شعبي ذهب مباشرةً لينسّق مع الحكومة، ومحوّلاً الجزء الأكبر من الأموال إلى مدن الشمال المنكوبة في حلب واللاذقية وجبلة، في دليل واضح على تفتح الوعي الشعبي على وحدة المجتمع الذي يتمّ بلسمة شقوقه وجراحه في ملمات كبرى.
في الختام أقول إنّ الوعي الشعبي الذي تفتح بنتيجة هذه المأساة قد أظهر قوة الضمير الإنساني الذي أصبح في مواجهة فعلية مع المخططات الخبيثة لدول الغرب والتي لا تأبه بالإنسان ولا تضع قيمةً له، ولذلك أعتقد بأنّ هذا السلاح الواعي هو أمضى وأكثر قوةً من كلّ المخططات الخبيثة، ولا بدّ أنّ النصر آتٍ بوحدة سورية وحريتها من غزة إلى اسكندرون وحلب ونصيبين وبغداد والبصرة…
*عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي