سقطت الأقنعة وظهرت الحقائق البشعة…!
} أحمد بهجة*
الزلازل الطبيعية تحصل دائماً في مختلف أنحاء العالم بدرجات متفاوتة، وتؤدّي أحياناً إلى نتائج كارثية، أولاً على صعيد الخسائر البشرية من ضحايا وجرحى ومنكوبين ومشرّدين، ثم على مستوى الخسائر المادية الخاصة والعامة…
هذا ما حصل قبل أسبوع، تحديداً في سورية وتركيا حيث وقع زلزال كبير ملأ الدنيا وشغل الناس، وخلّف الكثير من المآسي والآلام، واهتزت معه الأرض في لبنان ودول الجوار، كما اهتزت مشاعر ملايين الناس خوفاً وهلعاً في البداية، ثم تضامناً وتعاطفاً بعدما بدأت تصل المشاهد المأساوية والكارثية من المناطق المنكوبة في شمال سورية وتركيا…
وإذ نترك لأصحاب الاختصاص مناقشة درجات الزلزال على مقياس ريختر وتحليلها وإعطاء المعطيات العلمية بشأنها، فإنّ ما يجب الحديث عنه هو المقياس الإنساني الذي لا يمكن تحليل درجاته، لأنّ هذا المقياس تحديداً إما أن يكون كاملاً متكاملاً أو لا يكون على الإطلاق. وعليه… إما يكون الإنسان إنسانياً أو يكون كائناً آخر لكن على صورة إنسان…
أمام هول الكارثة الناتجة عن زلزال فجر الاثنين الماضي في سورية وتركيا، وخاصة في سورية، سقطت الكثير من الأقنعة، وظهرت الوجوه كلها على مسرح الواقع وانكشفت الحقائق البشعة لمن كان لا يزال يعتقد أنّ هناك جانباً إنسانياً لدى الجميع، سواء على مستوى الأشخاص أو على مستوى الدول والمؤسسات الدولية، وبات كلّ شيء واضحاً جلياً أمام الجميع…
بالنسبة لنا في لبنان احتلّ أعلى قائمة المقياس الإنساني وزير الأشغال العامة والنقل الصديق الدكتور علي حمية، وهو بشجاعته وإقدامه ومناقبيته، كان السباق في المبادرة تجاه الأشقاء في سورية، وأعلن أنّ مطار بيروت هو مطار دمشق وأنّ كلّ المرافئ اللبنانية في بيروت وطرابلس وغيرهما هي مرافئ طرطوس واللاذقية وبانياس، وأنّ كلّ الطائرات أو البواخر التي تصل إلى لبنان محمّلة بالمساعدات لأهلنا وأبناء شعبنا في سورية معفاة من الرسوم والضرائب كلياً.
كما أعلن الوزير حمية وضع كلّ الإمكانيات المتوافرة في وزارة الأشعال العامة والنقل في خدمة عملية الإنقاذ الجارية في سورية، داعياً القطاع الخاص اللبناني إلى المساهمة بدوره في هذه العملية، وقد لبّت شركات كثيرة هذا النداء ووضعت آلياتها وموظفيها بتصرف الأشقاء السوريين.
وتبع موقف الوزير حمية موقف لبناني رسمي عبّر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثمّ الوفد الوزاري الموسّع الذي زار دمشق ولقيَ ترحيباً لافتاً من المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي نوّه بالموقف اللبناني إلى جانب سورية في هذا الوقت الصعب، رغم الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يعيشها لبنان، وهذا ما يعطي موقفه المتضامن مع سورية وقعاً استثنائياً…
أما الموقف الشعبي اللبناني فلم يكن يوماً بعيداً عن سورية حتى يقف اليوم معها. الناس في لبنان بغالبيتهم الكبرى مع سورية قلباً وقالباً مهما حاول بعض الإعلام أن يظهر الصورة مختلفة، وها هي الصورة الحقيقية ظهرت جلية واضحة، حيث امتدّت قوافل المساعدات على طول طريق الشام، وعبرت الجبال بثلوجها وجليدها ولكن بقلوب دافئة إلى حيث يجب أن تكون… هذا غير القوافل المشابهة التي عبَرت الحدود الشمالية باتجاه اللاذقية وطرطوس وحلب وغيرها…
طبعاً ليس بين لبنان وسورية حساب، لبنان يساعد سورية اليوم، وسورية ساعدت لبنان بالأمس، خاصة على صعيد شراكتهما في مواجهة الإرهاب سواء من العدو الصهيوني أو من العدو التكفيري، هذا هو الأمر الطبيعي الذي يجب أن يكون مستمراً بين البلدين على امتداد الأيام والسنين، وخلاف ذلك هو الغير طبيعي والغير مقبول بكلّ المقاييس.
ما هو مؤكد اليوم أنّ لبنان كسَرَ ما يُسمّى «قانون قيصر» إلى غير رجعة، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، وبالتأكيد سوف يُؤسّس هذا الواقع لاتخاذ العديد من الخطوات المستقبلية لإنهاء الأوضاع الشاذة التي أساءت للعلاقة بين البلدين، ثم البدء بمعالجة سريعة لبعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يسهُل حلها بالتعاون بين الدولتين، لا سيما لجهة معالجة الآثار التدميرية للزلزال وإطلاق ورشة إعادة البناء والإعمار في المناطق المنكوبة، وذلك بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء الذين يؤكدون دائماً الاستعداد لتقديم كلّ المعونات الممكنة وخاصة تلك التي تُعنى بتوفير مقوّمات الصمود للشعب السوري واللبناني… من دون انتظار أولئك الذين يتشدّقون بشعارات «حقوق الإنسان» وهم أبعد ما يكونون عن أبسط القواعد الإنسانية والأخلاقية والوطنية…
*خبير اقتصادي ومالي