سورية يا عرب… وحتمية إسقاط «قيصر»
} د. جمال زهران*
سورية… قلب العروبة النابض بالخير والإرادة والاستقلال والكبرياء، قولاً وفعلاً، وأكدها الزعيم جمال عبد الناصر، تتعرّض لمحنة كبرى لأكثر من عشر سنوات (2011 ـ 2023)، زادت درجتها بتعرّضها إلى زلزال كبير، وهو ظاهرة طبيعية ـ وغير ثابت حتى الآن أنه بفعل فاعل ـ زادت معها الأزمة، ومعاناة الشعب التي لم تتوقف.
زلزال كبير… غير مسبوق منذ ما يقرب من مائة عام، يقع في تركيا، ويذهب إلى سورية في الشمال المجاور لتركيا التي تحتلّ أراضي سورية، وامتدت آثاره إلى محافظات سورية عديدة منها حلب واللاذقية وحماة وغيرها، ليدمّر ويخرّب ويقتل البشر، لتزداد المعاناة فوق المعاناة القائمة، فيتضاعف التدهور، ويعمّ الخراب، وتزداد معاناة الشعب السوري العريق. وكأنّ الزلزال (الطبيعة)، جاء ليتعانق مع المؤامرة الكونية ضدّ سورية، و»قانون قيصر» الأميركي الذي يؤكد الشرعية الزائفة للأميركيين الذين ينصّبون أنفسهم أوصياء وحكاماً للعالم، بعيداً عن الشرعية الدولية القانونية ممثلة في المنظمة الدولية وهي الأمم المتحدة!!
لقد استشهد في عدة أيام، ما يقترب من الأربعة آلاف مواطن سوري، وإصابة ضعف هذا العدد، بلا جريرة، إلا أنه بلاء من عند الله، إذا كان طبيعياً خالصاً. وربما يقع من الضرر والبلاء خير بإذن الله، رغم كلّ الخسائر والمصائب، والمعاناة المادية والمعنوية للشعب فوق معاناتهم لأكثر من عشر سنوات.
فقد كشف هذا الزلزال، عن حجم المعاناة التي ابتلى الشعب بها، منذ عام 2011، احتلت خلالها أراضي سورية من قبل الأتراك، والأميركان، والإرهابيين الموجهين من أطراف إقليمية ـ لا نريد أن نذكرهم الآن حرصاً على جمع الشمل في هذه المحنة. حيث يتعرّض الشعب السوري، لحصار أميركي بفعل قانون «قيصر» الذي صدر عن الإدارة الأميركية الظالمة، التي تموّل الإرهاب عبر عملائها الإقليميين، لإسقاط الدولة السورية والنظام السوري، وتقويض الجيش السوري البطل، ولا يهمّهم معاناة البشر!! والحمد لله، رغم كلّ الخراب والتدمير والمعاناة في سورية، إلا أنهم لم ينجحوا حتى الآن ـ ولن ينجحوا، بسبب تلاحم مثلث القوة (الشعب ـ الجيش ـ القيادة)، في تماسك كبير، لم يكن في أيّ دولة في العالم أن تتحمّله، إلا أنّ سورية هي القادرة على التحمّل. كما تفعل أميركا قانون «قيصر»، بإجبار الدول في العالم ومنعها من التعامل مع الدولة السورية، إلا بإذنها!
هي تمارس إرهاباً منظماً يعاقب عليه القانون الدولي. فالسلطة العالمية التي لها الحق في توقيع العقوبات هي المنظمة العالمية (الأمم المتحدة)، أما إصدار قوانين محلية، على اعتبار أنها عالمية، وتطبّق بإرادتها على من تريد، فذلك هو «البلطجة» بعينها. فلها أن تقطع العلاقات مع سورية، وتوقف الاتصالات والعلاقات الطبيعية فقط، أما أن تلزم الدول الأخرى ـ وتحت التهديد والإجبار بتوقيع العقوبات على المخالفين لإرادتها ومشيئتها ـ بتوقيع بنود لقانون لم تصدره هذه الدول، فتلك جريمة دولية تمارسها دولة كبرى هي الولايات المتحدة الأميركية، بلا سند، إلا ذلك الإفراط في القوة، وعنجهية النفوذ على الدول الحليفة وغير الحليفة، التابعة لنفوذها!
لذلك فإننا وبأعلى صوت، وامتداداً لمقالات عديدة سابقة، أطالب جميع دول العالم، بعدم الالتزام بالقانون الأميركي (قيصر)، وإلقائه في صندوق القمامة، والمسارعة إلى تقديم المساعدات العاجلة لسورية الشعب والدولة، وإعادة العلاقات الطبيعية إلى سيرتها الأولى وعدم الانصياع للبلطجة الأميركية.
فهل من المعقول، ومنذ أكثر من سنة، ونتيجة ضغوط الرأي العام العالمي ضدّ أميركا وقانونها «قيصر»، أن تعلن الإدارة الأميركية الحالية، موافقتها على نقل الكهرباء والغاز من مصر، عبر الأردن، إلى سورية ثم إلى لبنان، لحلّ مشكلة الكهرباء في سورية ولبنان، دون أن تأخذ حتى موافقة الأطراف المعنية، في ممارسة لجبروت النفوذ على دول المنطقة، وللآن لم يتمّ شيء، رغم إعلان الدول الأطراف، جاهزيتها للتنفيذ؟ فأيّ دين أو أخلاق أو مبادئ، يصدعون بها رؤوسنا ليل نهار، لذلك الغرب الاستعماري الجديد بقيادة أميركا وحكامها المتغطرسين؟!
إنّ البداية عند العرب، باستعادة إرادتهم المسلوبة، والقفز على «قانون قيصر»، وإسقاطه عملياً، حتى تضطر أميركا لإسقاطه بيدها، بالصمت في البداية، والمسارعة إلى تقديم المساعدات لسورية، وإنقاذ شعبها، وإتاحة الفرصة مرة أخرى لاستعادة دورها الطليعي والقيادي التاريخي لها. فسورية هي البداية لتفعيل الإرادة السياسية العربية. وإذا لم يشعر العرب بأهمية ذلك حتى الآن، فلينظروا إلى دولة فنزويلا ـ القريبة جغرافياً من أميركا، ولكنها تتحداها، وأرسلت المساعدات لسورية بطائرات عملاقة، استمرت في الطيران لمدة (12) ساعة حتى وصلت وهبطت في مطار دمشق الدولي الذي يحمل عبق الحضارة الشرقية الشامية السورية.
وفي نفس الوقت كلّ الشكر إلى كلّ دولة عربية بادرت بتقديم المساعدات لسورية وكسرت الحصار وضربت بـ «قانون قيصر» عرض الحائط، وفي المقدمة مصر والجزائر والعراق ولبنان وتونس وغيرهم، لكن عددهم لم يتخطّ نصف عدد الدول العربية، والله المستعان…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.