سورية والزلزال… حكاية وطن جريح
} ربا يوسف شاهين
أن تشهد بأمّ العين وجع وطنك الذي ترعرت وكبرت فيه هو اليتم بعينه، وعلى مدى اثني عشر عاماً، نعاني من حرب إرهابية كونية، حرب لم ننته منها بعد. ففي أجزاء من وطني يقبع محتلون مجرمون، يسرقون وينهبون خيرات وثروات بلادي، من نفط وغاز وقمح، وقبل كلّ هذا نهبوا وسرقوا ودمّروا كلّ ما استطاعوا الوصول إليه…
فاض تراب بلادنا بآلاف الشهداء والجرحى والمصابين، وهُجّر المواطن السوري، ولا يتوقف المصاب على الجرح الجسدي، بل إلى الجروح النفسية، والهلع والخوف، دمّروا البنى التحتية للدولة السورية، فجروا المياه والسدود وسمّموها، صنعوا منظمات إرهابية بأسماء خاصة، «الخوذ البيضاء»، لاتهام الدولة السورية باستخدام المواد الكيماوية المُحرّمة دولياً، وفي أرجاء سورية منعوا الهواء عن الناس، سرقوا المياه من المنبع كما فعلت تركيا في سدّ الفرات، حاولوا تقسيم سورية بتوزيع أدوارهم عبر وكلائهم وعناصرهم على الأرض، فاحتلّ الأميركي الشمال الشرقي، والنظام التركي الشمال الغربي، وبدأوا بتقاسم الحصص، واستغلال عناصر ميليشيا «قسد» الانفصاليين، لتحقيق مخططاتهم في التقسيم، سرقوا الآثار السورية ودّمروها، واغتالوا العلماء والنخبة وفي النتيجة دمّروا الحجر والشجر.
في السياسة نفذوا قرار إبعاد الدولة السورية عن تمثيل نفسها في المجالس والمؤتمرات العربية، كما فعلت ما تسمّى «جامعة الدول العربية»، بقرار من «دولة قطر»، والحقيقة أن لا حُكم لهم لأنهم أتباع لأميركا، وهم يعلمون جيداً أنّ الإبعاد ليس بالحضور الشكلي على كرسي، ولكن بالبرنامج والعمل الفعلي على الأرض، فسورية ليست ممن يتكلم فقط، بل دائماً كانت وستبقى ممن يقول ويفعل، ولها في مواقفها من القضايا العربية والدولية والفلسطينية خاصة الدور الكبير.
حكاية وطن لم تنته، ففي السادس من شباط لعام 2023، أصاب وطني زلزال كبير وصلت درجته على مقياس ريختر إلى 7.7 درجات، وتسبّب بكارثة إنسانية كبيرة، تهاوت فيها أبنية في عدة محافظات، حلب وحماة واللاذقية وطرطوس، وأدت إلى استشهاد آلاف الضحايا، وإصابة الآلاف، ونزول ما يقارب 300 ألف شخص من منازلهم. دُمّرت أبنية متصدّعة من الحرب الإرهابية، التي ما زلنا نحاول إزالة آثارها سياسياً وعسكرياً ولم ننتهِ بعد، وكانت هذه الحرب الإرهابية وتداعياتها مسبّباً لسقوط وتصدّع الكثير من الأبنية في المناطق التي طالتها يد الإرهاب، فالتصدّع الذي سبّبته هذه الحرب الإرهابية زاد من أسباب الدمار، وقلّص من عوامل المساعدة في تأمين الناجين، فعامل الزمن في عمليات الإنقاذ يُعدّ من أهمّ العوامل التي أخرت دور سورية في النهوض، رغم بذلها جهود كبيرة لتحسين ما دمّرته الحرب الإرهابية.
وعلى مدى سنوات هذه الحرب والدولة السورية تجابه الأكاذيب والشائعات والتضليلات الإعلامية السياسية منها والعسكرية، وتحاول بعد انتصارها وتحريرها للمناطق المحتلة المطالبة بفك الحصار الاقتصادي، الذي أنهك الشعب السوري، لتقوم بدورها الفاعل في إعادة الإعمار، فـ «قانون قيصر» الظالم والإجراءات الأحادية الجانب والقسرية تجاه سورية، تشكل أحد أكبر الأسباب التي زادت من معاناة الشعب السوري، وجعلت سورية غير مهيأة لمثل هذه الكوارث، لتأتي الإدارة الأميركية وتعيد أسطوانتها الإعلامية الممجوجة وتنفي عقوباتها التي فرضتها على الدولة السورية، ولكن بفضل الضغط الشعبي والعربي والدولي أجبرت على فضح نفسها مجدّداً بقرار مضلل بشأن التجميد الجزئي والمؤقت لبعض التدابير القسرية والانفرادية القاتلة، التي تفرضها على الشعب السوري، والتي هي نسخة مكررة لقرارات صورية سابقة تهدف لإعطاء انطباع إنساني كاذب، إذ نصت على استثناءات مزعومة لأغراض إنسانية وأثبتت الوقائع زيفها.
وهنا وفي وطني سورية، ورغم الآلام، اجتمع الأهالي وتعاضدوا وتساندوا وحموا بعضهم بعضاً، فالقيم الإنسانية في وطني راسخة ثابتة وأصيلة، ولا ننسى الوقفة الإنسانية للدول الصديقة والشقيقة التي قدّمت المساعدات بكافة أشكالها للشعب السوري. فشكراً للبنان والعراق وإيران والجزائر والإمارات وروسيا والهند ومصر وليبيا والأردن وتونس وسلطنة عُمان وأرمينيا وكوبا وفنزويلا وبيلاروسيا… وكلّ الدول التي ساهمت بإزالة آثار الزلزال، والكارثة الإنسانية التي ألمّت بوطني سورية، وكما قال الرئيس الخالد حافظ الأسد: «إنّ الشدائد هي محك لمعدن الشعوب، وامتحان لأصالتها. وكلما ازدادت الأزمة شدة، ظهر المعدن الصافي، وتأكدت الأصالة الراسخة».