الزلزال المدمر يفتح ملف شروط البناء…
} عمر عبد القادر غندور*
كان غريباً أن تتساقط الأبنية في المدن التركية التي ضربها الزلزال كأنها أبنية من كرتون ما تسبّب بقتل ما يزيد عن 32 ألف ضحية بالاضافة الى عشرات الآلاف من الإصابات والمفقودين والمشرّدين…!
وكان منطقياً ان تقوم السلطات التركية بحملة شديدة على المطوّرين والمهندسين والمقاولين العقاريين وفتح تحقيقات صارمة مع مهندسين مدنيّين قالوا صراحة انّ العديد من مشاريع البناء في جنوب شرق تركيا تمّت في غياب ما يكفي من التدابير الحمائية ضدّ الهزات الأرضية في منطقة معروفة بتعرّضها للزلازل أكثر من مرة!
وقبل أيام تعهّد الرئيس أردوغان بإقامة مئات الآلاف من البنايات الآمنة ضد الزلازل في غضون عام واحد، في جهد هائل على صعيد إعادة الإعمار. وكان أردوغان تزعّم المشهد السياسي التركي كزعيم فيما كانت مشاريع البناء الضخمة علامة بارزة على منجزاته على الأرض، وطالما انتقد خصوم أردوغان تغاضيه عن تدني جودة البنايات وميله الى إسناد أعمال البناء الى موالين له…
وقد تزامن هذا الزلزال المدمّر مع احتدام منافسة انتخابية في تركيا وصفها بعض المراقبين بأنها الأشرس التي يواجهها أردوغان منذ وصوله الى السلطة عام 2003، اضافة الى ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد.
ويهمّنا ان نوضح، أننا لا نتناول هذا الموضوع من زاوية سياسية، بل من زاوية إجرائية مدنية تعكس الواقع الإنساني الذي يهمّ كلّ الناس ومشاهدة بناء ينهار بلمحة بصر في أنطاكيا وهو كان أنجز عام 2019.
وكذلك هو الحال في الأبنية المدمّرة في حلب والمدن الأخرى التي عانت من الحرب ضدّ سورية منذ 2011 والانكماش الاقتصادي والحصار الظالم على الدولة السورية .
ولأنّ لبنان لا يبعد كثيراً عن سورية وتركيا فقد عاش اللبنانيون لحظات مرعبة واهتزت المناطق كافة بفعل الزلزال المدمّر وخاصة في عاصمة الشمال طرابلس حيث تطالعنا يافطات معلقة على واجهات العديد من الأبنية المهدّدة بالسقوط ونقول «انتبه خطر الانهيار»، ومعظم هذه الأبنية مأهولة وليس لساكنيها بديلاً عنها… وخاصة في طرابلس «النهرية» نسبة الى نهر ابو علي الذي أغرق المدينة عام 1955، وفي منطقة الشعراني المطلة على نهر «أبو علي» تضمّ الأبنية المتداعية عشرات العائلات الفقيرة، وتكتظ في أحياء طرابلس القديمة مئة ألف نسمة! ولا وجود لبيانات رسمية بعدد الأبنية المهدّدة بالسقوط في لبنان حتى قبل جحيم الانهيار الذي نعيشه في الوقت الراهن.
ويورد المهندس المدني يوسف عزام رقماً افتراضياً غير نهائي بشأن 16200 مبنى على وشك الانهيار ويعيش فيها آلاف المواطنين في بيروت وضواحيها، وفي محافظة الشمال أربعة آلاف مبنى، وباقي الأبنية في البقاع وجبل لبنان والجنوب، ويعدّ لبنان متوسط الخطورة من ناحية تأثره بالزلزال.
ولأنّ البلية مستحيلة الاحتواء في بلد يحتضر سواء أنذرت من فيه أو لم تنذره، فليس لنا من دون الله من ولي ولا نصير.
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي