حرب أوكرانيا في ميزان الربح والخسارة…
} إسماعيل النجار
مواجهة روسيا والغرب بأكمله في أوكرانيا اقتربت من مسافة صفر، بعدما أصبح هامش الحيطة خلف ظهر الطرفين.
في هذه المعركة أراد الطرفان المتواجهان روسيا والولايات المتحدة الأميركية كلّ من طرفه تأكيد نصر أحادي مؤزّر لصالحه، وعدم الاقتراب من الخطوط الحمراء المرسومة أو تجاوزها لتفادي الصدام العسكري المباشر بينهما والذي قد يفضي إلى نشوب حرب عالمية تُكسر فيها كلّ المحرمات.
في هذه المعركة سجلت واشنطن إنجازات سياسية واقتصادية على حساب روسيا وأوكرانيا، حيث نجحت…
أولاً بدفع روسيا بنفسها إلى الوحل الأوكراني من دون أن ينوب عنها أيّ طرف آخر بالوكالة في هذه الحرب،
ثانياً: استنزفت المخزون العسكري الروسي التقليدي بكامله وحوّلت أغلبية المدخول القومي للبلاد لناحية دعم الصناعات العسكرية التي تكلّف الخزينة ما يزيد عن 300 مليون دولار يومياً وهي بإرتفاع مستمر،
ثالثاً: وجدت كافة المبرّرات لفرض عقوبات اقتصادية ومالية عليها بالإضافة إلى وضع اليد على كافة الأصول الروسية في الخارج،
رابعاً: نجحت واشنطن بشقّ العالم بشكلٍ عمودي إلى نصفين وتعرية المتموضعين في الوسط حيث لا فسحة رمادية في ساحة الصراع الدائر شرق أوروبا،
أما ما أنجزته روسيا منذ اليوم الأول لدخولها المعركة ضدّ زيلينسكي كان مهماً جداً بالنسبة لها كونه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي الروسي،
بدايةً أكّد الكرملين أنّ الأمن القومي الروسي خط أحمر، وأنّ إضعاف وتفتيت روسيا وتحويلها إلى دويلات هي مجرد أضغاث أحلام أميركية، وأنّ اقتراب الناتو من حدودها أمراً ليس سهلاً ومستحيل،
أيضاً أثبتت موسكو أنها جادة وستكون كذلك في كلّ مرّة في حال حاول أيّ طرف تشكيل مخاطر أو تهديد الأمن القومي أو مصالح البلاد الإستراتيجية،
بعد عام على انطلاق الرصاصة الأولى يرى العالم إصراراً روسياً على الاستمرار في العملية العسكرية التي أنهكت أميركا وأوروپا مالياً واقتصادياً جرّاء تكلفة قيمة المساعدات العسكرية والمادية التي يقدّمونها لنظام زيلينسكي، وارتفاع أسعار الغاز والطاقة في القارة العجوز وحجم تأثيرها على استمرار دوران العجلة الاقتصادية،
روسيا رتّبت أوراقها مع الصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول المناهضة للسياسة والهيمنة الأميركية، وجهّزت نفسها للتعايش مع حرب طويلة الأمد في أوكرانيا قد تنهك أوروپا وتدفعها للاستسلام للشروط الروسية التي لا تسوية ولا تراجع عنها، وإلّا فإنّ استمرار الحرب سيكون سبباً وجيهاً قد يدفع ببعض دول الاتحاد الأوروبي للخروج منه،
عالم جديد يطير بجناحين كاملين صيني وروسي يرتكز على نصف سكان الكرة الأرضية كسوق استهلاكية ومساحة جغرافية تفوق مساحة أوروپا وأميركا مجتمعتين،
وهذا الجديد يتطلب صكّ عملة دولية بديلة عن الدولار الذي إذا ما انهار ستكون الصين أول المتضرّرين منه بسبب تراكم سندات الدين الصينية الخارجية والتي تبلغ ما يقارب 14 ترليون دولار أميركي،
يبقى السؤال هل انّ روسيا والصين اللتين تستعجلان صنع عالم جديد متعدّد الأطراف، هل تستعجلان أيضاً القضاء على هيمنة الدولار وتكبّد خسائر فادحة جرّاء ذلك؟
أم سيكون هذا العالم مطوياً على صفحتين مختلفتين سياسية واقتصادية يبقى الدولار ملكاً على العملات إلى حين وثم يقع الطلاق؟
أسئلة كثيرة حول نهاية الحرب ومستقبل العملة الخضراء وحاجة الشرق إليها تحتاج إلى أجوبة ربما السنين المقبلة تتكفل بكشف جانب من جوانبها إنْ كان لناحية نهاية الحرب مع أوكرانيا، أم لجهة السياسة العالمية المتوقعة وسياسة العملة والنقد لكلّ من روسيا والصين.