ما فُرض بالقوة لا يُواجَه بغير القوة!
} منجد شريف
لم يعد هناك شيء مستغرب، فالارتفاع الصاروخي للدولار لم يعُد مفاجئاً، والقاصي والداني يعلم أنها حربٌ اقتصادية، وهدفها الفوضى على شتى الصعد، إنْ في بنية الدولة، أو في الاقتصاد، وفي المجتمع.
لقد أفرغت الدولة من أهمّ مكوناتها عنوة، فلا رأس لها، وبالتالي لا انتظام في عمل مؤسساتها، وزاد في الطين التناحر المستمر على دعوات جلسات مجلسي الوزراء والنواب، فكأنّ المشكل الاقتصادي الكبير يكمن في ميثاقية ودستورية جلسات هذين المجلسين، وانْ كان يحق للمجلس النيابي ان يكون هيئة تشريعية او لا، فما العبرة من كلّ ذلك، في ظلّ هذا الواقع المعقد؟!
أين يركن البعض من أهل السلطة؟!
الجميع بعلم أننا نواجه حرباً اقتصادية، وحصاراً مالياً، من خلال تجفيف الدولار من جميع مصادره، إنها حرب في الاقتصاد هدفها الانقضاض على الدولة وتفكيكها، وضرب المجتمع المدني بكلّ أطيافه، وإحداث الفوضى على أنواعها، لاستثمارها في الصراع الكبير في المنطقة والعالم.
فالصراع الممتدّ من الحرب الروسية الأوكرانية، وفي حرب اليمن وفي سورية والعراق وفي لبنان، هو حلقات متسلسلة في عقد واحد.
ومن يعتقد أنّ هذا وقت الصراع على الصلاحيات وتفاسير الدستور، فهو في مكان آخر، لأنّ ما يتوجّب فعله اليوم، أن نتحوّل إلى مغيثين لبعضنا البعض، أن نجترح العجائب لمواجهة هذه الحرب الغاشمة في الاقتصاد، فلم تعد الأوراق النقدية اللبنانية سوى عملة تداول مهما بلغ سعر صرفها، لأنّ الغالبية ألفت على مضض هذا الانفلات الممنهج والمتحكم به في غرف سوداء، وتدير هذه المعركة الماكرة بأفانين ملتوية، غير عابئة بمصائر الكثيرين ممن طالتهم تلك الحرب في لقمة عيشهم واستقرارهم، لقد تمّ القضاء والإجهاز على القطاع المصرفي نهائياً، ولو أنّ النيات سليمة لمساعدتنا، لكان أفسح المجال لهبات خارجية مدروسة بعملة الدولار الأميركي، من أجل تقليص التضخم في العملة الوطنية، وإعادة الانتظام في الدورة الاقتصادية.
إلا أنّ هذا محال، فهناك لاءات عليا تحول دون تحقيق ذلك، وتمنع عنا ايّ مساعدة للبنان مهما بلغ حجمها او رصيدها، إنها حرب ضروس، حرب لتجويع الشعب ووضعه بوجه بعضه البعض، حرب من أجل الفوضى، وهذا ما يدعونا للتساؤل:
إذا كان هذا هو الهدف من هذه الحرب الاقتصادية، كيف تمَّ الاتفاق على الترسيم ولم تأخذ الضمانات السياسية من أجل فكّ الحصار الاقتصادي والمضيّ بالحلول والمعالجات؟!
تساؤل مشروع يحتاج للإجابة عليه، فإذا كان الترسيم مفصولاً عن المشهد السياسي الداخلي، فهذا مرفوض، لأن لا أنصاف حلول أمام الجوع، وعليه يجب أن تسنّ معادلة جديدة تفرض الحل الاقتصادي فرضاً وتجلبه عنوة، بعدما أتت هذه الحرب المسعورة على كلّ الشرائح الاجتماعية، وحوّلتهم إلى فريسة للهجرة والانقلاب على خياراتهم الوطنية كما حوّلت بعضهم إلى متسوّلين فعليين.
العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، فالشعب بجميع أطيافه بات في حلقة مفرغة يدور ولا يبرح، اجتاح الدولار كامل القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وسيعرّضنا ذلك لأحداث أمنية كثيرة، كما ستسود السرقات وشريعة الغاب، فلا حلول بالاقتصاد لأنها ليست أصلاً أزمة اقتصادية، إنها أزمة مفتعلة وسلاحها الدولار، وسيفه المسلط، فما فُرض علينا بالقوة لن نستطيع دفعه عنا بغير القوة، وإلا فعلى لبنان واللبنانيين بكلّ أطيافهم السلام.