مأزق واشنطن مع سلاح الحصار والعقوبات
ناصر قنديل
طرحت الكارثة الإنسانية التي أصابت سورية مع الزلزال المدمر أكبر امتحان أخلاقي أصاب معادلة العقوبات والحصار التي جعلتها أميركا بديلا عن الحروب العسكرية في فرض مشاريعها السياسية، حيث تكشف الحصار الذي فرضته على سورية عن تدمير منهجيّ للمجتمع ومقدراته على الحياة، حيث ظهر أن الدولة التي كانت تملك أكبر أساطيل آليات الإنشاءات في المنطقة، قد فقدت بفعل الحصار والعقوبات القدرة على حشد عشرات الآليات دفعة واحدة في موقع العمل نفسه، بسبب فقدان قطع الغيار وتراجع إمكانيات التجديد والترميم والصيانة. وبدت سورية الدولة التي كانت تحقق اكتفاء ذاتياً في إنتاج الطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية، فاقدة للقدرة على تشغيل غرف العمليات في المستشفيات، وتأمين التدفئة اللازمة لعشرات آلاف المشرّدين بلا مأوى، وبدا نظامها الصحي الذي كان في طليعة الأنظمة الكفوءة في المنطقة بخدمات تطال كل السوريين، عاجزاً عن تلبية مقتضيات الطوارئ، وبنظرة متفحّصة يبدو أثر الحرب الى العقوبات على تآكل مقدرات الدولة بنسبة واحد إلى عشرة.
كان واضحاً وأكيداً أن ما فقدته سورية من أرواح في فترة الأيام الحرجة للإنقاذ بعد الزلزال كان قابلاً للانخفاض إلى النصف لولا ما فعلته العقوبات وما تركه الحصار من أثر قاتل على القدرات السورية. وكان من الواضح أيضاً أن الأيام المقبلة سوف تلقي بثقل الأزمة الإنسانية الناجمة عن الكارثة بنسبة كبيرة على العاتق الأميركي، ربطاً بالحصار والعقوبات، وأنه من الصعب مواصلة الدفاع عن هذه العقوبات وهذا الحصار في ظل حجم الكارثة الإنسانية، لكن كان من الواضح بالقوة ذاتها أن التراجع عن العقوبات والحصار في سورية، لن يكون أمراً منعزلاً عن مكانة العقوبات والحصار في الاستراتيجيات الأميركية، حيث سورية في خريطة العقوبات والحصار في مكانة أفغانستان بالنسبة لخريطة التدخل العسكري. ومثلما يصعب القول إن اللجوء الى التدخلات العسكرية او التهديد بها لفرض الخيارات الأميركية لن يكون نفسه قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان وبعده. يصعب القول إن الترويج لسلاح العقوبات والحصار ليحلّ بديلاً عن التدخلات العسكرية، يبقى هو نفسه إذا ما تراجعت واشنطن عن هذا السلاح في سورية.
الحرب مع روسيا في الساحة الأوروبية وعنوانها أوكرانيا، هي حرب عسكرية بنسبة واحد الى عشرة إذا ما قيست الحرب العسكرية بالرهان على العقوبات والحصار، وقد كان واضحاً منذ اليوم الأول للحرب أن الساحة العسكرية هي ساحة صمود في الاستراتيجية الأميركية، بينما ساحة العقوبات والحصار وفق النظرة الأميركية هي ساحة الحسم. وبمقدار ما جاء الصمود الروسي في ساحة العقوبات مفاجئاً للخطة الأميركية، ونجاح موسكو بتحويل التحدي الاقتصادي والمالي إلى فرصة، كان الرد الأميركي وفق معادلة، أن ما لا تفعله العقوبات يفعله المزيد من العقوبات، وما لا يحققه الحصار يحققه المزيد من الحصار. وما يجري على ساحة المواجهة مع الصين حيث البعد الاقتصادي أشد حضوراً، يضع سلاح العقوبات والحصار في رأس أولويات الاستراتيجية الأميركية. وكذلك هو الحال في كل ساحات المواجهة مع قوى المقاومة وعمقها الاستراتيجي الذي تمثله إيران، وصولا الى ساحات أميركا اللاتينية، حيث الحرب العسكرية الى التراجع والتسليم بالفشل في استبدالها بسلاح الحصار والعقوبات، يعني التسليم الكامل بخسارة الحرب.
لذلك ارتبك الأميركيون كثيراً في التعامل مع حصارهم المفروض على سورية وتداعيات العقوبات عليها، فهم عاجزون عن المضي جدياً وعملياً بتطبيق لوائح العقوبات على من يقدّمون لها المعونات، وهم عاجزون عن التراجع عن هذه العقوبات، ليس لأنها مخصّصة لسورية، بل لأن التراجع إصابة في الصميم لمنهج العقوبات والحصار ومكانته في الاستراتيجية الأميركية، لذلك أعلن الأميركيون عن استثناء يعرف من يدقق أنه بقي غامضاً، وحددوا مهلة ستة شهور للغموض، يتغاضون خلالها عما يكسر من عقوبات، ويغضون النظر عما يتجاوز الحصار، ليتسنى لهم أن يعودوا إلى التقييم بعد ستة شهور. وهذه هي المعركة الفعلية، التي يبدو أنها لم تغب عن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لجهة مطاردة استراتيجية الحصار والعقوبات، ووضع معادلة مقابلها يعجز الأميركيون عن مجاراتها هي معادلة الحرب على كيان الاحتلال، وفق صيغة جوهرها، تريدون أن تأخذونا إلى مسرح تتقنون القتال فيه، ويقع بالكامل تحت نظركم، فانتظروا أن نأخذكم الى المسرح الذي نتقن القتال فيه ويقع بالكامل تحت نظرنا. وجوهر الصراع هو إسقاط سلاح الحصار والعقوبات لما هو أبعد من سورية ولبنان والمنطقة. فالمطلوب إسقاط هذه الاستراتيجية عالمياً، كما كانت المقاومة مَن أسقط سلاح الحرب العسكرية من الاستراتيجية الأميركية.