سورية الجريحة…ستعود أقوى وأميركا ليست إلها يعبد…!
د. عدنان نجيب الدين
من ينظر إلى الخارطة يرى لبنان كطفل صغير تحتضنه أمه سورية. ولبنان هذا كان وما زال الطفل المدلل عندها، بالرغم من عقوقه حيناً، ومن تطاوله عليها أحياناً، لا زالت تحتضنه برغم الجراح التي أصابتها من الأعداء في الخارج ومن بعض شقيقاتها العربيات اللواتي تآمرن عليها، ولولا اللطف الإلهي الذي حماها، ولولا صدّها للمؤامرة ببطولات جيشها وقيادتها الحكيمة التي عرفت كيف تصمد وتواجه، ولولا ان سخر لها الله بعض الخيّرين والأصدقاء في الإقليم وخارج الإقليم كالجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا والمقاومة الاسلامية في لبنان والشرفاء من هذه الأمة لكانت سورية اليوم قد سقطت وراحت ضحية المؤامرة الكونية عليها.
لكن بعض أبنائها، من العاقين في لبنان، ورغم كلّ الصراخ الذي أطلقوه ويطلقونه في وجه هذه الأم الحنون، لم يستطيعوا أن يكسروا ظفر قدمها. ولبنان ليس كله عاق، لأنّ الغالبية من أبنائه شرفاء يكنون لها الحب والوفاء. ونحن لا نقبل من بعض الشركاء في الوطن هذا العقوق بحقها، وهي التي دافعت عنا في أحلك اللحظات، وتصدّت للعدوان الصهيوني علينا في العام 1982، وهي التي حقنت دماء اللبنانيين واستطاعت مع المخلصين من حقن دمائهم فأوقفت الحرب الأهلية التي امتدت على مدى خمس عشرة سنة، وهي التي أعادت بناء الجيش اللبناني وزوّدته بالأسلحة والمعدات، وهي التي تقاسمت معنا الرخاء وشظف العيش، وهي التي دعمت المقاومة في لبنان بكلّ أنواع الدعم حتى استطاعت تحرير ما احتلّ من أراض لبنانية، ونحن لا ننسى أنّ نعمة التحرير وعزة النصر هما نتيجة نضال شعبنا وبفضل دماء شهدائنا المقاومين ودعم سورية وإيران.
وسورية هي التي لم تبخل على شعب لبنان بكلّ أنواع المساعدة الاقتصادية أيام الشدة، وهي التي تقاسمت معنا الأوكسجين أيام جائحة كورونا عندما عزّ وجوده في لبنان وفرغت مخزوناته في المستشفيات، وهي التي استقبلت النازحين اللبنانيين أيام العدوان “الإسرائيلي” في تموز عام 1996 وأنزلتهم عندها ضيوفاً مكرمين معززين. سورية، قلب العروبة النابض، كما سماها الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، كانت وما زالت تدعم القضية الفلسطينية وتدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لتحرير فلسطين العربية وإعادتها حرة إلى شعبها الأصيل.
لقد قاومت سورية الحرب الإرهابية العالمية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية ضدها، لا لشيء سوى لكسر شوكتها وتحقيق المطلب الصهيوني بالاعتراف بكيانه الغاصب لفلسطين وتطبيع العلاقة معه والقبول بالتسليم له بضمّ الجولان إلى كيانه المحتلّ والتخلي عن فلسطين وشعبها وبيع قضيته في بازار التسويات.
سورية هذه، تعيش اليوم كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب جزءاً من أرضها، وتسبّب بعشرات الآلاف من الموتى والجرحى ومئات الآلاف من المشرّدين الذي تصدّعت بيوتهم أو دمّرت… فما عسانا نفعل تجاه هذه الأمّ الحنون؟ هل يكفي إبداء مشاعر الحزن والمواساة؟ هل يكفي بعض المساعدات أو التقديمات الرمزية رفعاً للعتب؟ كلا وألف كلا… انّ سورية ليست فقط مجرد بلد شقيق بالنسبة للدول العربية، بل هي قلب الجسد العربي، إذا عاش هذا القلب واستعاد نبضه وصحته، عاشت الأمة كلها، وإذا توقف لا سمح الله هذا القلب عن النبض، تموت الأمة العربية من محيطها إلى خليجها. سورية كانت وما زالت أمّ الحضارات، ولها فضل على البشرية جمعاء… هي أرض المسيح والرسل والقديسين.
نحن نعلم أنّ بعض العرب وبعض دول الإقليم كان شريكاً لأميركا والغرب في الحرب الإرهابية عليها، ونعلم أنّ مئات المليارات قد تمّ صرفها على تدريب الإرهابيين وتسليحهم وإرسالهم إلى سورية، ونعلم أنّ هذه الحرب لم تترك شيئاً إلا ودمّرته، ولم توفر البشر والحجر حتى الأطفال والنساء، وأنّ مئات الآلاف من القتلى والجرحى قد تمّ حصدهم على امتداد أكثر من عشر سنوات بهدف إركاعها ونهب ثرواتها وتقديمها لقمة سائغة للعدو الصهيوني وحلفائه في الغرب، كلّ ذلك ليس خافياً على أحد، واعترافات بعض المسؤولين العرب معروفة وقد جرى بثها على الإعلام مباشرة. ولكن أن تستمرّ المؤامرة عليها برغم هذا الزلزال المدمّر والضحايا الجديدة التي سقطت، فهذا أمر لا يقرّه دين ولا شرع ولا عقل ولا يقبل به ضمير إنساني حي.
نحن نعلم أنّ اميركا بلا قلب ولا ضمير ولا أخلاق، لأن سياستها تقوم على فلسفة مادية تحسب المكاسب والأرباح في كلّ خطوة تخطوها ولو على حساب قتل الشعوب وهدر دمائهم. ومعروفة سياسة أميركا والحروب التي شنتها على دول وشعوب كثيرة والفتن التي أثارتها والفقر الذي سبّبته عقوباتها الجائرة والمجرمة، ومعروفة مؤامراتها على أنظمة لا تقرّ لها بالعبودية. ولكن إذا كان لنا من عتب، فهو على دولنا العربية التي لم تبادر منذ اللحظة الأولى لنجدة سورية بشكل كاف وفعّال لتضميد جراحها النازفة، وإرسال ما يلزم من مساعدات انسانية طبية وغذائية ومعدات لرفع الأنقاض، لأنّ الضحايا الذين سقطت على رؤوسهم المباني، لم يموتوا كلهم في اللحظة لتوّها، بل كان هناك أحياء يطلبون إغاثتهم ولكنه لم يُغاثوا لأنّ المعدات الثقيلة اللازمة غير متوفرة ولم يجر إنقاذهم من الموت، والوقت ضاغط ولا يسمح بالانتظار، لانّ كلّ لحظة تمر يمكن أن تنفذ طفلاً مصاباً أو تجعله يموت. وهذا للأسف الشديد لم يحصل. وكانت تركيا الجارة التي نتألم لما أصابها تماما كما تألمنا لما أصاب سورية. فالمشاعر الإنسانية واحدة أمام هول ما حدث، وهذا طبيعي ولا جدال فيه. كلّ المساعدات أو جلها كانت تذهب الى تركيا والنزر القليل يذهب إلى سورية. أيّ عدل وأيّ إنسانية وآية أخلاق نرى في هذه الظروف المأساوية؟ الكلّ خائف من أميركا! وخائف من عواقب قانون قيصر البغيض واللئيم. فليسقط قانون قيصر وكلّ تلك السياسات العدوانية العنصرية الغربية. وليعلم العرب وليعلم الجميع: أنّ أميركا ليست إلها يُعبد، وأنّ سياسييها ليسوا رسلاً وقديسين، أن من يحكم أميركا هم خدم عند الأوليغارشية المتحكمة بالسلطة وأصحاب النفوذ من مجموعة من اللصوص ومصاصي دماء الشعوب، وهؤلاء لا أخلاق عندهم ولا دين ولا إنسانية، فلماذا نجاربهم أو نخاف منهم؟ هل الكراسي والعروش أهمّ من رضا الله والضمير والإنسانية والأخلاق؟ وإذا سقطت الأخلاق فماذا ببقى من إنسانية لدى البشر؟ رحم الله شاعرنا الكبير أحمد شوقي الذي قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا…